تستدعي الذكرى العاشرة لإفلاس بنك «ليمان براذرز»، ذكريات كثيرة حول الأزمة المالية العالمية التي أطلق ذلك الإفلاس شراراتها عام 2008. غير أن لدي ذكرياتي الخاصة، لاسيما بعد أن أقحمت نفسي في حياة أحد أبطال تلك القصة. فعندما نشرت السيرة الذاتية لرئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) «ألان جرينسبان» قبل عامين، كان يساورني القلق إزاء خطأ الفهم الشائع لأسباب الأزمة. والآن، بينما نسترجع الذكريات بعد عقد كامل، يبدو ذلك الخطأ أضحى خطيراً.
والخطأ الجوهري في إجماع ما بعد الأزمة هو فكرة أن المؤمنين السذج بقدرة الأسواق على ضبط نفسها بصورة تلقائية، من دون تدخل صنّاع السياسات، هم من قادونا إلى تلك الهاوية الاقتصادية. وتم تصوير «جرينسبان» باعتباره أكبر دعاة الوهم في قصة عدم التدخل في الأسواق المتكررة، واقتنص الناس تلك اللحظة عندما بدا أنه أقر بذنبه، إذ اعترف «جرينسبان»، تحت ضغط من الكونجرس، بوجود «خطأ» في أيديولوجيته المؤيدة للسوق. فما قصده «جرينسبان» كان أن المعتقدات كافة، سواء المؤيدة للحكومة أو للأسواق، معيبة. لكن ذلك المقصود الغامض لم يفهم. وما بدا اعترافاً بالخطأ من قبل «جرينسبان» تم تداوله مراراً وتكراراً من دون اتساق أو سياق، لدرجة أنه أصبح تهديداً بأن يكون العلامة الفارقة في إرثه.
ومع تزعزع الثقة في الأسواق، انصب الوهم الشائع على الاقتصاد السلوكي، ودراسة كيف أن الممولين والمستهلكين العاديين ليسوا أكفاء ولا حكماء في السعي وراء مصالحهم. وشجعت مؤلفات لاثنين من علماء الاقتصاد السلوكي الحائزين على جائزة نوبل، وهما «دانيال كاهينمان» و«ريتشارد ثالر»، الناس على اعتبار الأزمة دليلاً على أن هذا العلم الجديد قد تم تجاهله. وقدمت تشخصيات لا تحصى الثقة في كفاءة الأسواق على أنها المجرم الأساسي، واعتقاد أن الأسواق ليست رشيدة لأن الناس ليسوا كذلك.
وذلك الإجماع الجديد مغرٍ ومضللٍ في الوقت ذاته. فالاقتصاد السلوكي ميدان رائع، لكن الاقتصاديين أدركوا مبادئه منذ ثمانينيات القرن الماضي على الأقل، أي قبل ربع قرن على إفلاس «ليمان براذرز». وعلى النقيض من الأسطورة، لم يؤمن «جرينسبان» نفسه بأن الأسواق كانت فعّالة. ففي شبابه، كتب صراحة عن الفقاعات والأزمات الاقتصادية، واعتبر أن مواطن الضعف في السوق واضحة لدرجة أنه سعى لاستغلالها عن طريق التداول اليومي. وعندما أصبح رئيساً لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، ذكّر «جرينسبان» زملاءه مراراً وتكراراً بأن فترات الازدهار يمكن أن تعطّلها «الوفرة غير الرشيدة» في أسواق المال.
ولورانس سامرز، الذي يحل في المرتبة الثانية بعد جرينسبان باعتباره رجل الدولة الاقتصادي الأكثر ارتباطاً بالإيمان الأعمى المزعوم في الأسواق، كان مدركاً بالمثل لحدود كفاءة الأسواق.
وباختصار، إن توجيه اللوم في الأزمة المالية على سذاجة كبار صنّاع السياسات مثل جرينسبان وسامرز هو أمر جائر ولا أساس له من الصحة. والواضح الآن أن تلك الأسطورة أضحت خطيرة في حد ذاتها، ذلك أنها تشتت الانتباه عن واقع أن القيود السياسية، وليست الإخفاقات الأيديولوجية، هي التي منعت صناع السياسات منع هوس الإسكان.
وأهم الدروس المستفادة من الأزمة ليس أن الأسواق عرضة للخطأ، كما أصبح معلوماً للجميع الآن، ولكن أن التنظيمات الضرورية تعرقلها الآلة الحكومية المهترئة وجماعات الضغط المفترسة.
وعلى رغم من أن التنظيمات التي وضعت بعد أزمة 2008 ضمنت رسملة أفضل للبنوك، تدفع جماعات الضغط مرة أخرى لنقضها في الوقت الراهن. وبعد عقد كامل على تركيع إفلاس «ليمان براذرز» للاقتصاد العالمي، يبدو أن إدارة ترامب تنصت لهذه الجماعات مرة أخرى.
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
والخطأ الجوهري في إجماع ما بعد الأزمة هو فكرة أن المؤمنين السذج بقدرة الأسواق على ضبط نفسها بصورة تلقائية، من دون تدخل صنّاع السياسات، هم من قادونا إلى تلك الهاوية الاقتصادية. وتم تصوير «جرينسبان» باعتباره أكبر دعاة الوهم في قصة عدم التدخل في الأسواق المتكررة، واقتنص الناس تلك اللحظة عندما بدا أنه أقر بذنبه، إذ اعترف «جرينسبان»، تحت ضغط من الكونجرس، بوجود «خطأ» في أيديولوجيته المؤيدة للسوق. فما قصده «جرينسبان» كان أن المعتقدات كافة، سواء المؤيدة للحكومة أو للأسواق، معيبة. لكن ذلك المقصود الغامض لم يفهم. وما بدا اعترافاً بالخطأ من قبل «جرينسبان» تم تداوله مراراً وتكراراً من دون اتساق أو سياق، لدرجة أنه أصبح تهديداً بأن يكون العلامة الفارقة في إرثه.
ومع تزعزع الثقة في الأسواق، انصب الوهم الشائع على الاقتصاد السلوكي، ودراسة كيف أن الممولين والمستهلكين العاديين ليسوا أكفاء ولا حكماء في السعي وراء مصالحهم. وشجعت مؤلفات لاثنين من علماء الاقتصاد السلوكي الحائزين على جائزة نوبل، وهما «دانيال كاهينمان» و«ريتشارد ثالر»، الناس على اعتبار الأزمة دليلاً على أن هذا العلم الجديد قد تم تجاهله. وقدمت تشخصيات لا تحصى الثقة في كفاءة الأسواق على أنها المجرم الأساسي، واعتقاد أن الأسواق ليست رشيدة لأن الناس ليسوا كذلك.
وذلك الإجماع الجديد مغرٍ ومضللٍ في الوقت ذاته. فالاقتصاد السلوكي ميدان رائع، لكن الاقتصاديين أدركوا مبادئه منذ ثمانينيات القرن الماضي على الأقل، أي قبل ربع قرن على إفلاس «ليمان براذرز». وعلى النقيض من الأسطورة، لم يؤمن «جرينسبان» نفسه بأن الأسواق كانت فعّالة. ففي شبابه، كتب صراحة عن الفقاعات والأزمات الاقتصادية، واعتبر أن مواطن الضعف في السوق واضحة لدرجة أنه سعى لاستغلالها عن طريق التداول اليومي. وعندما أصبح رئيساً لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، ذكّر «جرينسبان» زملاءه مراراً وتكراراً بأن فترات الازدهار يمكن أن تعطّلها «الوفرة غير الرشيدة» في أسواق المال.
ولورانس سامرز، الذي يحل في المرتبة الثانية بعد جرينسبان باعتباره رجل الدولة الاقتصادي الأكثر ارتباطاً بالإيمان الأعمى المزعوم في الأسواق، كان مدركاً بالمثل لحدود كفاءة الأسواق.
وباختصار، إن توجيه اللوم في الأزمة المالية على سذاجة كبار صنّاع السياسات مثل جرينسبان وسامرز هو أمر جائر ولا أساس له من الصحة. والواضح الآن أن تلك الأسطورة أضحت خطيرة في حد ذاتها، ذلك أنها تشتت الانتباه عن واقع أن القيود السياسية، وليست الإخفاقات الأيديولوجية، هي التي منعت صناع السياسات منع هوس الإسكان.
وأهم الدروس المستفادة من الأزمة ليس أن الأسواق عرضة للخطأ، كما أصبح معلوماً للجميع الآن، ولكن أن التنظيمات الضرورية تعرقلها الآلة الحكومية المهترئة وجماعات الضغط المفترسة.
وعلى رغم من أن التنظيمات التي وضعت بعد أزمة 2008 ضمنت رسملة أفضل للبنوك، تدفع جماعات الضغط مرة أخرى لنقضها في الوقت الراهن. وبعد عقد كامل على تركيع إفلاس «ليمان براذرز» للاقتصاد العالمي، يبدو أن إدارة ترامب تنصت لهذه الجماعات مرة أخرى.
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»