الرئيس دونالد ترامب فرض عقوبات على إيران، والشركات الأوروبية والأميركية قطعت طائعة علاقاتها مع طهران. وتصدى ترامب للصين، فتضررت أسواق الأسهم الصينية، ووجه ضربة لتركيا، فسقطت البلاد في أزمة عملة شديدة. وفي غمرة كل هذا ينتعش الاقتصاد الأميركي.
ويستكشف الرئيس أن الولايات المتحدة تتمتع بمزايا استثنائية حين تخوض حرباً اقتصادية. فالبلاد صاحبة أكبر اقتصاد في العالم، وكل الدول الأخرى، تريد السماح لها بدخول هذا الاقتصاد. لكن أميركا تعاني عجزاً كبيراً في الميزان التجاري، ما يعني أنها تستورد أكثر من أي دولة أخرى، ومن ثم أمامها فرص أكبر في فرض تعريفات أو عقوبات. والبلاد مفتوحة تماماً أمام الاستثمارات الأجنبية، ولذا لدى كل الشركات العالمية الكبيرة عمليات في الولايات المتحدة. وتدير الولايات المتحدة احتياطي العالم من العملة، ما يعني أن بوسعها تجميد حسابات الخصوم في نظام الدفع الدولي.
وفوق كل هذه المزايا الهيكلية، خلق ترامب ميزة موسمية. فكما فعل الرئيس رونالد ريجان في بداية ثمانينيات القرن الماضي، وضع ترامب الدول الأخرى في موقف دفاعي من خلال سياسته غير المسؤولة في الموازنة. فالخفض الكبير في الضرائب وتضخم العجز في الموازنة، يحفز النمو الأميركي في المدى القصير، ويعزل الأميركيين عن تداعيات توترات التجارة الدولية. وفي الوقت نفسه، تدفع عوامل التحفيز مجلس الاحتياط الاتحادي إلى زيادة سعر الفائدة، ما يرفع قيمة الدولار، ونتيجة لهذا يتعرض الأجانب المدينين بالدولار للضرر مرتين، مرة، نتيجة سعر الفائدة المرتفع، وثانية، من عدم الاتساق بين المكاسب الثابتة للعملة المحلية وارتفاع تكلفة سداد الديون الدولارية. ومع الأخذ في الاعتبار عدم استواء ساحة المنافسة تلك، تتمخض المواجهات التجارية بين الولايات المتحدة والدول الأخرى عن نتائج غير متسقة إلى حد كبير.
تركيا لديها دين بالعملة الأجنبية يزيد على 50% من الإنتاج المحلي الإجمالي وسوق عقارات يترنح وتضخم يبلغ 16%، وتعاني غياب ثقة المستثمرين الأجانب. وحتى قبل أن يفرض ترامب عقوبات على تركيا، كان الاقتصاد آيلاً للسقوط.
ومنذ أن بدأ ترامب يعزز الضغوط هذا الشهر، كانت العملية التركية قد تراجعت أكثر بقليل من 20%، ما دفع الانخفاض الإجمالي لهذا العالم إلى نحو 40% وأثار احتمال انتشار العدوى. ويعلمنا التاريخ أنه يجب علينا أن نخاف لأن قوة الدولار وارتفاع سعر الفائدة في بداية حقبة ريجان أدى إلى عجز المكسيك عن السداد، ما نشر حالة من الهلع على امتداد أميركا اللاتينية. وانهيار عملة تايلاند عام 1997 أثار حالة أوسع من التوتر في شرق آسيا وروسيا والبرازيل. والانهيار الروسي تسبب في حالة هلع في الأسواق الأميركية، وأدى إلى انهيار صندوق تحوط أساسي ودفع مجلس الاحتياط الاتحادي لأن يقلص سعر الفائدة ثلاث مرات.
صحيح أن أسواق الاقتصادات الناشئة الآن تخضع لسيطرة أفضل، ولدى معظمها سعر صرف مرن وليس تثبيت غير واقعي لسعر الدولار مقابل العملة المحلية. وحصنت معظم الدول نفسها بجمع احتياطي من العملة الأجنبية. ومعظمهم يتبنى سياسات في الميزانية بدرجات متفاوتة من المسؤولية. لكن عنصر الضعف الكبير يكمن في الاقتراض بالدولار. فقد كان من الصعب مقاومة القروض الدولارية الرخيصة بسبب انخفاض سعر الفائدة على الدولار الأميركي لفترة طويلة بعد الأزمة المالية لعام 2008. وهناك عدد قليل من الدول وقعت في الفخ مثل تركيا. ويلي تركيا في الهشاشة من بين الاقتصادات الناشئة المهمة، جنوب أفريقيا التي يبلغ دينها من العملة الأجنبية 50% من الإنتاج المحلي الإجمالي. وبعدها تأتي المكسيك والأرجنتين، حيث تبلغ معدلات الدين الخارجي فيهما أكثر من 35%. وتعرضت أسواق الدول الثلاث الأسبوع الماضي لاضطرابات في الأسواق. لكن إذا انتشرت النيران، سيكون من الخطأ إلقاء اللوم على العقوبات. فقد بدأ الاقتراض غير القادر على دعم نفسه قبل فترة طويلة من انتخاب ترامب. وفي أسوأ الظروف، لم يفعل ترامب شيئاً إلا أنه قدم أعواد الثقاب ليشعل الحريق.
القلق الحقيقي من حروب ترامب التجارية لا يتعلق بأنها ستتسبب في أزمة مالية، لكن لأنها ستفشل من الناحية السياسية. فمن السهل أن تتسبب الولايات المتحدة في آلام اقتصادية للدول الأخرى، لكن من الصعب أن تجعل هذه الدول تغير تصرفاتها. صحيح أن إيران تعاني تأثير عقوبات ترامب، لكن هناك ما يشير إلى أن الرئيس الإيراني سيرد على هذا بالتقارب أكثر مع قوات الحرس الثوري الإيراني المتشددة. وانخفضت أسواق الصين هذا العام بما يزيد على 15%، لكن الضغوط التجارية قد لا تزيد بكين إلا عزماً على تخطي الولايات المتحدة في التكنولوجيات الاستراتيجية. ومن الصعب التكهن بتأثير العقوبات على تركيا، لكن أردوغان يتقارب مع روسيا. وربما ليس هناك ما يدعو الأميركيين للقلق على مصير العملة التركية، لكن يجب عليهم أن يقلقوا بشأن تماسك حلف شمال الأطلسي (الناتو).
*باحث بارز في الاقتصاد الدولي في مركز «مجلس العلاقات الخارجية» الأميركي.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»