مدرسة المشاغبين
مشهد الأطفال وهم يتلفون أثاث فصلهم الدراسي، كثر المتحدثون حوله، بين مطالبين بتشديد العقوبات وتغيير لائحة السلوك. وفي الطرف الآخر هناك من أجاد التبرير لهذا السلوك، فهم كما قال البعض مجرد أطفال أرادوا التنفيس عما فيه أنفسهم تجاه ضغوطات العام الدراسي، كما تم ربط هذا السلوك بفيروس «سوشيال ميديا»، الذي فتح للناس مجال الشهرة عبر التصرفات غير الأخلاقية والسلوكيات غير الحسنة، فما هو التفسير المنطقي لمثل هذه الممارسات؟
أولاً ولله الحمد والمنة، فإن هذا التصرف لا يعد ظاهرة شائعة في مجتمع الإمارات، لأن جل التلاميذ في الدولة يغلب عليهم السلوك الحسن. ومن الشائع عن أهل الإمارات حبهم لوطنهم وحرصهم على الممتلكات العامة، لكن في كل مجتمع تبرز بعض التصرفات غير المبررة في عالم لا يخلو من شذوذ عن القاعدة، لذلك لا تزعجني مثل هذه التصرفات كثيراً، ولا أرى حاجة للترويج لها إعلامياً أو أدبياً، فالأصل أن مثل هذه الأمور تعالج في أضيق الحدود بعيداً عن التشهير أو التبرير.
ثانياً: أشكر وزارة التربية والتعليم التي أصدرت بياناً واضحاً حول ملابسات هذه القضية ولمعالي وزير التربية كل التقدير على تصريحه خلال الأسبوع الماضي والذي قال فيه «إن الوزارة عاكفة دائماً على إعداد دراسات ميدانية عن سلوكيات التلاميذ من أجل بيئة تعليمية مناسبة»، وَمِمَّا لاشك فيه أن دراسة مثل هذه الممارسات وفق منهجية علمية محايدة ستظهر لنا جوانب الخلل المطلوب علاجها.
الأمر الثالث حول هذه القضية، هو ما أودّ التركيز عليه في هذا المقال، ملخصه عدم عزل مثل هذه التصرفات عما يجري في المحيط التربوي العام، لذلك اقترح على وزارة التربية والتعليم تشكيل لجنة محايدة من أهل الاختصاص في جامعة الإمارات أو مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية لدراسة هذه الممارسة.. نحن بحاجة لفحص كافة المتغيرات المرتبطة بهذا التصرف، كي لا تكون قراراتنا ردة فعل غير مناسبة قد نظلم فيها أحد الأطراف المرتبطة بمثل هذه التصرفات، هناك في تصوري عدد من المتغيرات المطلوب التركيز عليها، منها على سبيل المثال لا الحصر الإدارة المدرسية.. في ضوء المشهد المصور ما هو نوع الإشراف الإداري المتبع، والذي أتاح للأطفال فرصة ممارسة مثل هذا التصرف المشين.
البعد الثاني مرتبط بالتقويم المدرسي، نحن بحاجة لدراسة عدد الأيام المطلوبة من التلاميذ خلال العام الدراسي، وهل هناك أيّام ضائعة يحضر فيها التلاميذ للمدرسة، وقد انتهوا من متطلبات المنهج المدرسي، لكن مطلوب منهم الحضور لإكمال عدد الأيام المخصصة لهم.
عامل الانتظام في الدراسة من جل استكمال الأيام المقررة يستحق منا التمعن فيه، وهذا أمر يفتح لنا مجالاً لمراجعة التقويم المدرسي من حيث عدد الأيام المقررة مركزين على الجودة وليس العدد، هناك أيّام كثيرة للإجازات المدرسية غير المبررة من وجهة نظر شخصية، مما يجعل العام الدراسي يمتد خلال فترة الصيف التي نحن في غنى عنها فلماذا لا تختصر أيّام الإجازات بما يتناسب مع مناخ الإمارات.
البعد الثالث الذي يستحق منا الدراسة هو منهج التربية الأخلاقية الذي بدأت الإمارات في تطبيقيه، فهل هو منهج ينفذ دون أن يكون له الأثر المطلوب في المجتمع المدرسي خاصة والمجتمع الإماراتي بشكل عام. السؤال الذي أودّ أن نشترك جميعاً في الإجابة عنه كيف نجعل البيئة المدرسية محضناً محبباً للتلاميذ يجدون فيه إشباعاً لحاجاتهم العقلية والنفسية والجسدية، إن نجحنا في هذا التحدي ستتلاشى مثل تلك الممارسات من مدارسنا.