الرجل الأكثر نفوذاً في العالم
من هو الشخص الأكثر نفوذا على الكوكب حاليا؟ شخصياً، سأصوّت لفلاديمير بوتين. لقد استطاع بوتين أن يجعل من نفسه قطباً في النقاش العالمي الكبير لهذا العصر، النقاش الدائر حول السلطوية والديمقراطية. ولديه استراتيجية متماسكة للترويج لجانبه السلطوي من ذاك النقاش، حيث يستطيع على إذلال منافسيه الديمقراطيين والتشويش عليهم متى شاء والنجاة بفعلته. وبات بطلا ثقافيا بالنسبة للمحافظين في كل مكان – في فرنسا، وإيطاليا، والفلبين، والمكتب البيضاوي.
الناس يقولون دائماً إن كل ما في الأمر أن بوتين يجيد اللعب بأوراق ضعيفة، والجميع يتوقعون عدم نجاحه في النهاية لأن الاقتصاد الروسي ليس في أفضل أحواله. ولكن أوراقه ليست بتلك الدرجة من الضعف التي قد يتصورها البعض، وذلك لأن قاعدة قوته ليس اقتصادية، وإنما ثقافية وإديولوجية.
ومثلما كتب «كريستوفر كالدويل» في شهرية «إيمبريميس»، فإن مكانة بوتين الدولية تبدأ مع القصة التي يحكيها. فهو جاء إلى السلطة، كما يقول، بعد أن كاد الإصلاحيون الغربيون يدمرون بلاده، حيث كانت فرق علماء الاقتصاد الأميركيين تعتقد أنه إذا قام المرء بخصخصة الممتلكات بشكل صحيح، فإن القانون والنظام والتماسك الاجتماعي سيتولون تنظيم أنفسهم بأنفسهم. ولكن الكارثة الاجتماعية أعقبت ذلك، حيث سقط متوسط أمد الحياة في روسيا تحت متوسط أمد الحياة في بنغلاديش، وأفلست الحكومة، ونهبت النخبة البيروقراطية الشيوعية القديمة موارد البلاد، وأذلت الإدارات الأميركية المتعاقبة روسيا على الساحة العالمية.
ثم جاء بوتين وأعاد الاستقرار. فاليوم، يبلغ متوسط أمد الحياة في روسيا 71 سنة، وهو رقم قياسي تاريخيا. والاقتصاد استعاد عافيته. وروسيا باتت اليوم قوة عالمية من جديد، واستطاعت، الأسبوع الماضي فقط، تحدي مجموعة كبيرة من الدول الغربية. وبعد 17 سنة في السلطة، فإن معدلات التأييد الشعبي لبوتين اليوم تفوق 80 في المئة.
وفضلا عن ذلك، يمكن القول إن أنصار نهج بوتين ستكون لديهم خلال السنوات المقبلة امتيازات مهمة عدة في حرب الأفكار. فأولاً، إن الديمقراطية الليبرالية تقوم على فكرة أن السلطة ينبغي أن تكون موزعة عبر نظام من العلاقات والمؤسسات.
بيد أن بوتين يؤيد فكرة أن السلطة ينبغي أن تكون ممركزة، حيث يوجد زعيم واحد في القمة وخطوط سلطة حديدية في الأسفل. ويؤيد فكرة أن الديمقراطية الليبرالية تنزلق إلى الفوضى عندما لا تكون ثمة ثقة اجتماعية، وأنها خدعة تسمح لأصحاب العلاقات بنهب الآخرين.
ثانيا، إن إخلاص الديمقراطية الليبرالية الأول والأكبر هو لأشياء مجردة - الدستور، منظومة مبادئ، مجموعة من المعايير الديمقراطية. ونحن في المعسكر الديمقراطية نشعر دائما بالقلق عندما نرى بوتين أو دونالد ترامب أو شي جينبينج يستخف بالقواعد والمعايير لجمع سلطة شخصية. وبالمقابل، فإن إخلاص السلطوية الأول والأكبر هو لشخص. للرجل نفسه. ومثلما كتب إم. ستيفن فيش في دورية «جورنال أوف ديموكراسي»، ف«إن بوتين ليس أشهر وأقوى سياسي في روسيا فحسب، وإنما سياسيها الوحيد». فلا أنصار بوتين، ولا أنصار ترامب، ولا أنصار شي جينبينج ينزعجون من الاستخفاف بالمعايير، طالما أن ثمة شخصا مسؤولا مستعدا لتولي القيادة.
ثالثا، إن الديمقراطية الليبرالية تقوم على إيمان بقدرات المواطنين الأفراد. والثقة، كما تعلمون، هي الثقة في أشياء مؤمَّلة ودليل على أشياء لا ترى. ونحن الديمقراطيين نثق في فكرة أن الناس يعرفون أفضل من غيرهم كيف يديرون حيواتهم وأن هذه الاختيارات الفردية يمكن نسجها وتحويلها إلى نسيج عام مشترك.
ولكن البوتينية، وعلى غرار الترامبية، قائمة على التشكيك في نوايا الآخرين. إنها تقوم على فكرة أن المرء ينبغي ألا تكون لديه أي أوهام وأنه ينبغي أن يكون واعيا بطرق هذا العالم وأساليبه. فالناس، كما يقول ميكيافيلي، جاحدون ومخادعون، يتحاشون الخطر ويسعون للربح. والتنافس حتمي لا مفر منه. وكل شيء متعصب، فأي شخص أو أي مؤسسة تزعم أنها موضوعية وتربأ بنفسها عن الصراعات هي كاذبة.
وفي هذا العالم، كل شيء يقوم على العلاقات العامة، وكلما كانت التمثيلية وقحة وعديمة الحياء، كان ذلك أفضل لأن الناس سيصدقون كل ما تقتضي مصلحتهم تصديقه.
رابعا وأخيرا، إن الديمقراطية الليبرالية مبنية على فكرة أن الناس الذين هم دونك يظلون مع ذلك جديرين بالاحترام والاهتمام، وأن السياسة تقوم على السعي للتوصل لحلول وسطى مع أشخاص قد لا تطيق التواجد معهم في الغرفة نفسها.
وبالمقابل، فإن البوتينية تقوم على فكرة أن الأشخاص الذين هم مختلفون عنك يبثون الفوضى الثقافية ويضعفون نمط حياتك. فبوتين لا ينفك يهاجم المثليين والمسلمين والملحدين والغرب «العقيم الذي لا جنس له».
باختصار، على المرء ألا يقلل أبدا من شأن هذا الرجل أو قضيته. وإذا كانت الأنظمة السياسية عبر العالم كله تتغير، حيث تصبح أكثر سلطوية أو أكثر ديمقراطية، فإنه من الواضح أن الزخم، في الوقت الراهن، هو في اتجاه السلطوية. وهذا يعود جزئيا إلى أن هذا الجانب تتزعمه حاليا شخصيةٌ لامعة، ولكن أيضا إلى أنك حينما تتوقف لتتساءل حول من هو الزعيم العالمي الذي يقود المعسكر الديمقراطي الليبرالي، فإنك لا تجد أي اسم!
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»