تداعيات ضعف الدولار
من بين الجوانب العديدة المثيرة للدهشة في أداء الأسواق المالية منذ بداية عام 2017 كان الأداء الضعيف للدولار، والذي تراجع بما يقرب من 10% مقابل العملات الأخرى وبنحو 17% مقابل اليورو.
وقد حدث هذا على الرغم من مجموعة متنوعة من العوامل التي كان من المتوقع أن ترفع الدولار إلى أعلى. وهذه تتضمن التنقيحات التصاعدية في التوقعات الاقتصادية، وتوقعات بحدوث تشديد في الإنفاق، وارتفاع أسعار الفائدة الحقيقية والاسمية طويلة الأجل، والتحفيز المالي على نطاق واسع في اقتصاد التوظيف الكامل، وزيادة الحمائية التي يجب أن تخنق تدفق الواردات والإصلاح الضريبي الموجه إلى الحد من تدفقات رأس المال وزيادة تدفقات رأس المال.
وينصح بالنظر في دلالة الجمع بين أسعار الفائدة وأسعار الصرف الحالية فيما يتعلق بتوقعات السوق بالنسبة لقيم العملة المستقبلية. فأسعار الفائدة الأميركية لأجل عشر سنوات تزيد بنحو 220 نقطة أساس، مقارنة بنظيرتها الألمانية، وبنحو 280 نقطة أساس، مقارنة بأسعار الفائدة اليابانية. وهذا يعني أن الأسواق تتوقع انخفاضاً في قيمة الدولار بأكثر من 25% مقابل منافسيه الرئيسيين خلال العقد المقبل. وإذا لم يكن انخفاض الدولار بهذا الحجم متوقعاً، فإن المستثمرين يفضلون الأصول الدولارية على الأصول الأجنبية، نظراً للفوارق في أسعار الفائدة. وقد يكون من الممكن تفسير بعض، ولكن ربما أقل من نصف، ضعف الدولار من خلال التضخم الذي تشهده الولايات المتحدة، والذي يعد أعلى من المتوقع. وتدل أسعار الفائدة الحقيقية على توقعات باستمرار انخفاض القيمة الحقيقية.
وبالنظر إلى التحركات في أسعار الفائدة على مدى العام الماضي، جنباً إلى جنب مع انخفاض الدولار، فمن المعقول أن نقدر أن توقعات عشر سنوات بالنسبة لأسعار الفائدة للدولار مقابل اليورو قد تراجعت ربما بنسبة 15%. وتشير المعلومات المتعلقة بالعائدات الحقيقية إلى أن جزءاً كبيراً من هذا التحرك يعكس الانخفاضات المتوقعة في أسعار الصرف الحقيقية.
إن أسعار الفائدة هي أسعار نسبية، ولكي نفهم تقلبات الدولار، يتعين على المرء أن ينظر إلى ما حدث في الولايات المتحدة وكذلك في بلدان أخرى. صحيح أن التحسينات في التوقعات الاقتصادية للولايات المتحدة كانت أقل منها في أوروبا وعدد من الدول الأخرى. وبقدر ما يعكس ضعف الدولار التحسن غير المتناسب في الخارج، فإنه يقوض ادعاءات بأن السياسة الأميركية هي السبب في الأداء القوي مؤخراً، نظراً لأن الرئيس دونالد ترامب ليس هو رئيس العالم أجمع.
بيد أن هذا ليس سوى تفسير جزئي. وإذا كان هو السبب الرئيسي، يمكن للمرء أن يتوقع أن يرى المعدلات في بلدان أخرى ترتفع أكثر مما هي عليه في الولايات المتحدة، حيث إنها تشهد زيادات أكبر في الطلب على صناديق الاستثمار. وهذا لم يحدث في معظمه. وعلى سبيل المثال، فإن كلاً من معدلات الفائدة الحقيقية والاسمية في الولايات المتحدة قد ارتفعت مقارنة بالمعدلات الأوروبية. وبعبارة أخرى، فإن أسعار الصرف المستقبلية المتوقعة قد انخفضت بأكثر من المعدلات الحالية. كما كان ضعف الدولار منتشراً أيضاً في مقابل كندا والمكسيك، اللتين لم تشهدا مفاجآت في النمو.
ارتفاع أسعار الفائدة وضعف العملة يدفعان في اتجاه طرح الأصول الأميركية للبيع بأسعار منخفضة لإقناع الأجانب بالاحتفاظ بها أو حث الأميركيين على عدم الاستثمار في الأصول الأجنبية. وهذا النمط غير شائع نسبياً في الولايات المتحدة، على الرغم من أنه حدث خلال إدارة كارتر، قبل تعيين «بول فولكر» رئيساً لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، وخلال إدارة كلينتون قبل قيام وزير الخزانة «روبرت روبين» باستدعاء سياسة «الدولار القوي». وهذه سياسة شائعة في الأسواق الناشئة، حيث إنها تعكس القلق بشأن إطار سياسة البلد. وأخشى من أن هذا النمط قد يبرز في الولايات المتحدة. فالرئيس دونالد ترامب ووزير خزانته «ستيفين منوشين» يظهران عدم اكتراثهما بالعملة القوية. وتقوم واشنطن بوعي بدفع عجز الموازنة لأعلى في اقتصاد التوظيف الكامل. إن المحافظة على ثقة الأسواق العالمية هي أسهل بكثير من استردادها. وترسل أسواق العملة إشارة مفادها أن الولايات المتحدة ليست على الطريق السليم. وقد حان الوقت لكي تعزز الولايات المتحدة أسساً قوية يعتمد عليها الدولار القوي والاقتصاد الصحي.
* وزير الخزانة في إدارة ترامب والرئيس السابق لجامعة هارفارد
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»