«الموساد» وحرب الظلال
إنها حرب الظلال كما يسميها المؤلف رونن بيرجمان، المتخرج من قسم التاريخ بجامعة كامبريدج في رسالته عن تاريخ الموساد لنصف قرن، وقد صدرت في كتاب من 864 صفحة. والرجل البالغ من العمر 45 عاماً يعمل مراسلاً صحفياً لجريدة «يديعوت أحرنوت» الإسرائيلية. وحين سئل عن عدد الاغتيالات التي نفذتها الموساد قال في حدود 3000 إنسان، وحين يُسأل ناتان روتبيرج رئيس قسم المتفجرات في مختبر الاستخبارات عن عدد من قتلهم يجيب من دون أن يرف له جفن: كانوا أربعين، وكان هذا في صلب مهمتي! والرجل يعتبر في نظر الإسرائيليين «بطلًا قومياً»! ويتأسف بيرجمان على الضحايا الذين وقعوا بالخطأ تحت رصاص القتلة، لأنهم كانوا في الموقع الغلط، في الوقت الغلط، فدفعوا الثمن من أرواحهم، كما وقع ذلك في النرويج عام 1973 فقتلوا بالاشتباه نادل مقهى بدل أحد المطلوبين من جماعة «إيلول الأسود».
ولكن أعجب ما جاء في كتاب بيرجمان، قصة وثقت بشريط فيديو عن مصرع رجل الأعمال الألماني هاينتس كروج الذي اختفى يوم 11 سبتمبر عام 1962 وبقي مختفياً 55 عاماً حتى عرف ابنه كاي كروج وابنته «بيآته سوللر» مصرع والدهما على يد الموساد تحت عملية «فيتامين سي». وهي قصة مفيدة لأخذ فكرة عن وسائل الموساد في التصفية.
فكروج يعتبر من مجموعة العلماء الألمان الخبراء في صناعة الفضاء، ومن خلال الاتصال بعبد الناصر أغراهم بمال وفير لو صنعوا له صواريخ، ولكن تحت مسمى مختلف إرسال قمر صناعي مثلًا. وفعلًا انخرط كروج في العملية. ويقول أولاده إنه ودعهم وأمهم في ذلك اليوم على أن يجتمع معهم ليلًا على وجبة فاخرة يحبها. والأم لم تكن مرتاحة، كما أن الوجوم سيطر على الأب. وكان هناك شخص دعاه بشكل ملح إلى لقاء مهم جداً في ضاحية بمدينة ميونيخ، للقاء شخصيات مصرية مهمة لأمر جلل. وامتطى كروج الغافل السيارة ومعه عدي المولود في العراق، والذي درس في بغداد، وتظاهر بالمصرية، وهناك في اللقاء كان كوماندو إسرائيلي بالمرصاد يقوده رئيس الموساد «إيزر هاريل» بنفسه!
ولكن علينا الرجوع إلى يوليو من نفس العام 1962، فما الذي جرى حتى يستنفر الموساد لهذه العملية الخطيرة والمكلفة والمحفوفة بالمتاعب؟ فقد استعرض عبدالناصر صواريخه التي ركبها الألمان. وهي نفس غلطة حرب 67. فأخطاء الكبار يدفعها الأحفاد. وجُنت إسرائيل وبحثت فأصبح الألماني كروج وفريقه على قائمة الموت.
وهكذا فقد ألقي القبض على كروج ووضع في صندوق تحت مقعد للركاب في حافلة فولكس فاجن. ثم في مجموعة سيارات إلى مرسيليا، وهناك وتحت مخدر قوي وبإشراف طبيب زعموا أنه مهاجر مريض إلى إسرائيل، ليطيروه بجناحي طائرة «العال» إلى كيان الاحتلال، وهناك يتم احتجازه في سجن سري ليبدؤوا في استنطاقه. قالوا في النهاية لقد حصدنا ثمراً شهياً من حديقة الألمان. عرفوا أسماء العلماء المتعاونين معه، والشركات، وكل ما حصل بالاتصال بناصر ومخابراته ومختبراته. ليقوم روتبيرج بإرسال المتفجرات فيحصد رؤوس خمسة علماء، وينجو أحدهم من ضرب الرصاص بسبب انعقال المسدس. وفي النهاية توسل لهم هاينتس كروج بالإبقاء على حياته وأن يكون لهم عميلًا في ميونيخ. ولكن «هاريل» أرسل من يقتله، وللتخلص منه وجدوا أفضل طريقة أن يلقى في البحر.
وحين يُسأل بيرجمان عن اغتيال عرفات يقول: لن أفصح عن ذلك ولو علمته، ولكني أقول لكم إن التعاون بين الموساد وبعض المخابرات في العالم يجعل كشف الغطاء عنه بمثابة الزلزال.