من الكود الوراثي إلى زراعة رأس
هل يمكن لعجوز مدنف أو مريض مقعد بشلل رباعي مثل الفيزيائي البريطاني العبقري ستيفن هوكينج صاحب كتاب (قصة قصيرة للزمن) الذي يعتبر بمثابة نيوتن الفيزياء الحديثة.. هل يمكن قطع رأسه وتركيبه على جسد فتاة في سن الـ17 مات دماغها بحادث مروري؟ هذا ما نحن بانتظاره من الجراح الإيطالي سيرجيو كانافيرو الذي وعد هذه المرة بإجرائها في الصين خلال العام الجاري.
كنا ننتظر النتائج في عام 2017 لمريض روسي مشلول رباعياً بمرض عضال، لكنها تأجلت لأسباب لم يفصح عنها بوتين! الذي زار المريض، ربما لأسباب سياسية لا نعرفها؟
المهم أن هذه الخطوة النوعية في الطب تهدف إلى القفز فوق حاجز العمر فتمنح حياة جديدة لمن عاش تسعين حولا، فيكسب تسعين أخرى!
عملية كانافيرو ستقوم بقطع البلعوم والقصبة الهوائية والعضلات والحبل الشوكي حذاء الفقرة الخامسة إلى السادسة من العمود الفقري الرقبي المكون من سبع فقرات. كل قطع فوق هذا المستوى سوف يؤدي إلى ضرب المناطق الحيوية للحياة.
أخطر ما في العملية هو قطع النخاع، وهو حبل لا تزيد ثخانته عن الأصبع الصغير للكف، لكن فيه وعبره تمر ملايين الأسلاك العصبية من الحركة والحس وسائر الوظائف الحيوية. يدعي كانافيرو أنه توصل إلى السحر بمادة سوف تعمل مثل الغراء اللاصق لطرفي النخاع المقطوع، المستقبل منه لدماغ ناشط، والقادم من جسم فتي مات فيه الدماغ.
الوسط العلمي متشكك جداً، لكن هذا يذكرني بجراح العظام كتشنر الذي تحدث في خمسينيات القرن الفائت خلال المؤتمر الطبي في كولن عن تجاربه في معالجة الكسور العظمية بالحديد من صفائح وبراغي! قامت القيامة واهتز الوسط الطبي. لكن حالياً لا يوجد مشفى يحترم نفسه على وجه الأرض لا يشكر الدكتور كتشنر على خرقه العلمي لمفاهيم بالية.
الشيء نفسه، حصل لدكتور النسائية سيم كورت من مدينة كيل الساحلية في ألمانيا، حين اقترح إبطال العادة القديمة في شق البطون للجراحة وندباتها المزعجة واندحاقاتها الخطيرة، وقال: علينا أن نطور الجراحة الأنيقة، كما أفعل لمريضاتي من النساء، فلا أعرضهن لعمليات شق وفتح، بل ثقوب بسيطة في البطن، ندخل فيها على تجويف البطن بملاقط ومباضع رقيقة، فنقص ونرتق كما نشاء، ونحن نرى ذلك بالتصوير المكبر. قامت القيامة على الرجل فهرب إلى أميركا، لينتشر فنه من أرض اليانكي. هذه هي أميركا؛ أرض التقاط الأفكار وتسويقها، وتسخير أفضل الأدمغة، ثم وضعها تحت أسماء آخرين، كما فعل أديسون مع تيسلا الصربي، الذي توصل إلى كهرباء التناوب، لكن الناس يكتبون أن أديسون هو أبو الكهرباء. فهذه هي سخرية التاريخ بين من يبدع ومن يحسن السرقة.
هذا القانون يتكرر عبر التاريخ في كل مجال علمي وفكري، وهناك الكثير من الأضواء اللامعة لأناس مشاهير يدينون بما وصلوا إليه لآخرين اختفوا في الظل. مثل آينشتاين وهنري بوانكاريه، ودارون ولامارك، أما قصة روزاليند فرانكلين فحزينة، إذ تروي الخيانة في العمل وسرقة الجهود، فعندما شقت الطريق إلى معرفة تركيب (الكود الوراثي) عند الإنسان من خلال تطوير تقنية دراستها بالأشعة السينية، خانها صديقها في العمل (موريس ويلكينز، فتطوع بنقل عصارة جهدها سراً لرجلين منافسين هما الثنائي جيمس واتسون وفرانسيس كريك حصدا ثمرة عملها بقطف جائزة نوبل للكيمياء الحيوية عام 1962، وتسجيل اسمهما في التاريخ على أنهما أول من أماط اللثام عن تركيب الخريطة السرية للخلق (الحامض النووي) في نواة الخلية.. وكانت روزاليند فرانكلين وقتها قد ماتت بسرطان الثدي في سن الـ37.