الاتحاد الأوروبي يمثل خط الدفاع الأخير عن الغرب، في حين كانت الولايات المتحدة، تاريخياً، هي نقطة الارتكاز الأساسية لحماية المثل الجمهورية في العالم، وذلك قبل أن يتخلى الرئيس ترامب عن هذا الدور، ويعترف علناً برجال أقوياء مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ومع انتشار إغراءات السياسة الشعبوية القومية، تقع على عاتق أوروبا الآن، مسؤولية المحافظة على الحصن الغربي. المعركة الأساسية التي تخوضها أوروبا في الوقت الراهن تدور حول بولندا، التي تتجه أكثر وأكثر وعلى نحو حثيث، إلى التخلي عن الليبرالية، فقد سعت الحكومة الشعبية في بولندا منذ توليها السلطة في عام 2015 إلى السيطرة على وسائل الإعلام، وتطهير الخدمة المدنية من خصومها، والعمل على تسييسها، وترهيب المثقفين، ومنظمات المجتمع المدني، وتكديس المحاكم بقضاة ورجال قانون موالين لحزب «القانون والعدالة» الحاكم. ورداً على ذلك، اتخذت بروكسل عدداً من الخطوات الصحيحة، حيث حذرت وارسو من العقاب، إذا استمرت في انتهاج سياسات لا تتفق مع المبادئ الأساسية للاتحاد الأوروبي، التي تشمل الديمقراطية، والمساواة، وسيادة القانون، واحترام حقوق الإنسان. وفي أواخر شهر ديسمبر المنصرم، بدأت المفوضية الأوروبية، للمرة الأولى في تاريخ الاتحاد، في اتخاذ إجراء رسمي يمكن أن يؤدي إلى فرض عقوبات تأديبية على بولندا، تشمل تعليق حقها في التصويت في الهيئة الرئيسية لصنع القرار في الاتحاد الأوروبي. هذه التدابير كان لها أصداء ملحوظة في وارسو. فخلال هذا الأسبوع، قام رئيس الوزراء البولندي «ماتيوس موراويكي» بإجراء تعديل في حكومته، استبدل بموجبه عدداً من الوزراء الذين كانت علاقاتهم مع القادة الأوروبيين متوترة للغاية، وبعد ذلك توجه إلى بروكسل لتناول العشاء مع جان كلود جونكر رئيس المفوضية الأوروبية، ولكن هذه التحركات لم تقترن بأي خطوات ملموسة، لعكس مسار بولندا غير الليبرالي، وهو ما يوجب على الاتحاد الأوروبي مواصلة ضغطه عليها لتحقيق هذا الهدف. والمسار البولندي داخل الكتلة الأوروبية ليس هو الوحيد من نوعه، فالمجر هي الأخرى سلكت بالفعل مساراً مماثلاً، كما أن دولاً أعضاء في الاتحاد الأوروبي من أوروبا الوسطى، بدأت تميل تدريجياً نحو هذا الاتجاه الليبرالي، ولكن انزلاق بولندا على وجه التحديد في هذا المنحدر له تبعات خاصة لأن هذه الدولة بعدد سكانها الذي يبلغ 40 مليون نسمة على وجه التقريب، تعتبر هي حاملة لواء أوروبا الوسطى. علاوة على ذلك، فإن الدور القيادي الذي لعبته بولندا في انهيار الكتلة السوفييتية، يجعل انحدارها في مسار غير ليبرالي أمراً أكثر إثارة للقلق، ففي أوائل الثمانينيات من القرن العشرين، كانت حركة التضامن العمالية البولندية، هي التي ألهمت المقاومة واسعة النطاق للحكومة الشيوعية في بولندا آنذاك، مما مهد السبيل لحركة التمرد الأوسع عبر أوروبا الوسطى التي أسقطت جدار برلين في عام 1989. بعد انهيار الكتلة السوفيتية، كانت بولندا في طليعة الدول التي انتقلت من الفلك الشيوعي السوفييتي إلى دولة ديمقراطية تطبق نظام اقتصاد السوق، كما كانت سباقة في الانضمام إلى «الناتو» في عام 1999، والاتحاد الأوروبي في عام 2004. يجب على الاتحاد الأوروبي أن يبذل الجهود اللازمة للحيلولة دون انحراف بولندا عن القيم الأساسية للاتحاد، ليس من أجل الديمقراطية الليبرالية في بولندا فقط، وإنما من أجل تكريس المبادئ الديمقراطية للاتحاد ذاته، خصوصاً أن مشروع التكامل الأوروبي يعاني في الوقت الراهن من الحصار من نفس القوى القوموية والشعبوية التي تؤثر في الوقت الراهن على بولندا: فبريطانيا تتفاوض على الخروج من الاتحاد الأوروبي، كما أن المشاعر المعادية للمهاجرين باتت تمثل اختباراً للمجتمعات المتعددة الإثنيات عبر القارة. وإخفاق الاتحاد الأوروبي في القيام بذلك سيؤدي حتماً إلى تقويض الجهود التي يبذلها لإثبات أنه مجتمع مدني، تجمعه القيم الديمقراطية، وليس مجرد جهاز بيروقراطي متعالٍ وغير خاضع للمساءلة – كما يدعي الشعبويون. تشارلز كابوتشان أستاذ الشؤون الدولية في جامعة جورج تاون ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»