سياسة الجسر أم الُجُدر؟
للسياسة قواعد أخلاقية وأعراف مرعية، ولها مدارس شتى تنتمي لفلسفات متباينة، لذلك نجد للسياسيين مواقف مختلفة حسب انتماءاتهم الفكرية ومنطلقاتهم الفلسفية. وعند التعامل مع الأزمات التي تقع في دول العالم المختلفة تختلف توجهات الدول، والتي أستطيع أن ألخصها في سياسة الجسر ونقيضتها فلسفة الُجدر. الُجدر جمع جِدار، هناك دول تميل إلى بناء الجدر حول نفسها وتتقوقع في حدودها، عندما تظلم دولة من جيرانها، وهذا السلوك يسمى بسياسة الُجدر، ودوّل أخرى من شيمها إغاثة الملهوف ونصرة المظلوم عندما يتم الاستنجاد بها تبني جسوراً للتواصل والتعامل الإيجابي مع المحنة والأزمة.
مقدمة تلخص دور «التحالف العربي» بقيادة المملكة العربية السعودية، عندما طلبت الحكومة الشرعية في اليمن المساعدة في التعامل مع السياسة الانقلابية التي قامت بها الحركة «الحوثية، ومن سلك نهجها ووجهها وأعانها، فبدأت «عاصفة الحزم» كأقوى وأسرع نجدة عسكرية قامت بها المملكة العربية السعودية، وقوات دولة الإمارات العربية ومن سلك نهجهم، وعندما انتهت العمليات الحربية الرئيسة، بدأت رياح الكرم، بكل ماتحمله قلوب أهل المنطقة من شيم، والمساعدة لردم الهوة السحيقة، التي كادت أن تعصف بما تبقى من خير في هذا القطر.
يعتقد بعضهم أن سياسة بناء الُجدر لن تكلف الدول شيئاً يُذكر، بل فيها حفظ للمال والنفس، قد يكون ذلك صحيحاً على المستوى القريب، لكن استقراء واقع التاريخ يقول لنا إن النار لا تحجبها الُجدر، بل إن السلبية تؤجج النار ولا تطفئها. ولأن سياسة مد الجسور فيها مغامرة ومخاطرة، فإن الخسائر البشرية والمادية متوقعة، لكنها منزلة لا يحلم بها إلا العظماء النبلاء. فكم هي نعمة كبيرة أن يختارك الله تعالى شهيداً من أجل الوطن والكرامة ونصرة المظلوم، وما أروعه من مجد يسجل للإنسان في السماء، ويخلد به على الأرض عندما ينال شرف الفداء.
الإمارات العربية المتحدة تؤمن بالسياسة الإيجابية، أو مد الجسور مع الغير، وهذا ليس بالأمر الجديد، فمن يقرأ التاريخ المعاصر للإمارات يجد لقواتنا المسلحة والهلال الأحمر الإماراتي رايات بيضاء في كوسوفو وأفغانستان والصومال، وحديثاً اليمن، ولأن التضحية أمر تعود عليه أهل الإمارات فهم دائماً في الصفوف الأولى كان لنا شهداء من قواتنا المسلحة وآخرون من الدبلوماسيين وغيرهم من نشطاء العمل الإنساني. هم رموز نفخر بهم في وطن محب للغير، وتأبى عليه كرامته ألا يهب لنجدة غيره. وقريباً زفت الإمارات إلى الدار الآخرة من نحسبهم شهداء في معركة الكرامة، نفخر بهم، وهم شامة ناصعة في حياة أهلهم وأقاربهم ومن عرفهم، فهل هناك من فخر أكبر من أن يقول أحدهم: أنا والد شهيد، أو أن تقول سيدة: أنا أمه. وما أجمله من تاريخ عندما يزور أبناء وأحفاد الشهداء «واحة الكرامة» في العاصمة أبوظبي ليجدوا أسماء من أحبوا منقوشة بمداد العز في ذلك المكان الذي يشعرك بالفخر والإباء.
ولإن أهل الإمارات قلوبهم بينها ألفة قل مثلها في عالم اليوم تجد أن قائمة الفداء والتضحية تجمع جنوداً من الشعب مع إخوانهم من أبناء الأسر الحاكمة من شتى أرجاء الدولة، فنحن في مجتمع لا يستطيع أحد أن يفت اللُحمة الوطنية بين القيادة والشعب، دولة توحدت فيها القلوب قبل الأجساد، وزالت حدود المناصب قبل حدود الجغرافيا، فما أروعها من نفوس.
الإمارات واحة عملية من الإيجابية والتنمية والسعادة، لذلك لا تستغرب أن تجد أن خيام العزاء التي تم نصبها لأسر الشهداء أضحى اسمها خيام العز، وليس العزاء.. وكم سمعنا من أسر الشهداء كلمات الضياء المشع بالإيجابية لأنهم احتسبوا من رحلوا شهداء.