النشاط البدني والصحة.. والقدرات العقلية
من الثابت والمؤكد أن النشاط البدني يشكل جزءاً لا يتجزأ من الوظائف الفسيولوجية الطبيعية للإنسان، وأن المجهود العضلي يعتبر من المتطلبات الضرورية للحفاظ على الصحة البدنية والنفسية. حيث يعتبر النشاط البدني من المتطلبات الأساسية للحفاظ على اللياقة البدنية، كما أنه يساهم بشكل إيجابي في الحفاظ على وزن طبيعي، والمساعدة على تجنب زيادة الوزن، والسمنة المفرطة. ويلعب النشاط البدني أيضاً دوراً مهماً في زيادة كثافة العظام، ووقايتها من الهشاشة على المدى الطويل، كما يرفع من قوة العضلات الإرادية، ويحافظ على المرونة الحركية في مفاصل الجسد، ويقلل من المضاعفات التي قد تصاحب العمليات الجراحية، ويدعم الوظائف الفسيولوجية في الجسم، بما في ذلك وظائف جهاز المناعة.
وهذه الفوائد الجمة المتعددة والمتنوعة، للنشاط البدني، تتواتر الدراسات والأبحاث الطبية التي توسع من مداها ونطاقها يوماً بعد يوم. وآخر تلك الدراسات التي صدرت قبل أسبوعين تقريباً، أظهرت أن ركوب الدراجة الهوائية للعمل، بدلاً من استخدام السيارة أو المواصلات العامة، يقلل من احتمالات الإصابة بالسرطان وبأمراض القلب، بمقدار النصف. وبعد هذه الدراسة بأيام، خرجت نتائج دراسة أخرى، أظهرت أيضاً أن ممارسة النشاط البدني، تحافظ على قوة الوظائف العقلية والذهنية، بين من بلغوا العقد الخامس من العمر.
وفي الدراسة الأولى، التي أجراها فريق من الأطباء والعلماء بجامعة «جلاسجو» في اسكتلندا، واستغرقت خمسة أعوام، شملت 250 ألف شخص. وخلال سنوات الدراسة الخمس، لقي 2430 منهم حتفهم، وأصيب 3748 بالسرطان، و1110 بمرض ما من أمراض القلب. وعند تحليل بيانات من كانوا يستخدمون الدراجات للذهاب للعمل بشكل روتيني، اكتشف العلماء أن معدلات الوفيات بينهم كانت أقل بنسبة 41 في المئة، ومعدلات الإصابة بالأمراض السرطانية كانت أقل بنسبة 45 في المئة، ومعدلات الإصابة بأمراض القلب أقل هي الأخرى بنسبة 46 في المئة، مقارنة بمعدلات الوفيات والإصابة بالأمراض السرطانية وبأمراض القلب بين من يستخدمون سياراتهم أو وسائل المواصلات العامة للذهاب للعمل.
ونجح المستخدمون للدراجات الهوائية في تحقيق هذا الفارق بركوبهم الدراجات للعمل مسافة بلغت في المتوسط 48 كيلومتراً أسبوعياً، أي نحو عشرة كيلومترات في كل يوم، خمسة ذهاباً وخمسة إياباً، بناء على أن عدد أيام العمل أسبوعياً هو خمسة أيام فقط. وبين الأشخاص الذين تتطلب رحلة عملهم مسافة أكبر من ذلك، كان الفارق أكبر على صعيد الوقاية من الأمراض السرطانية وأمراض القلب، حتى مقارنة بمن يستخدمون الدراجات الهوائية للذهاب للعمل، بمعنى أنه كلما طالت المسافة اليومية، زاد أيضاً حجم الفائدة ومقدار الوقاية.
وأظهرت أيضاً هذه الدراسة المثيرة، أن المشي يقلل من احتمالات الإصابة بأمراض القلب، وإن كان ذلك غالباً بالنسبة للأشخاص الذين يمشون أكثر من عشرة كيلومترات في الأسبوع الواحد. ويعتبر استخدام الدراجات أفضل من المشي، كونه نشاطاً أكثر حدة، ويستغرق وقتاً أطول. ويعتقد العلماء أن ركوب الدراجات الهوائية يحقق تلك الفوائد الصحية، نتيجة ما يتمتع به راكبو الدراجات من كمية أقل من الدهون في أجسامهم -بغض النظر عن أوزانهم- كما أن مؤشرات الالتهاب البدني منخفضة لديهم مقارنة بباقي أفراد المجتمع. ويتمتع أيضاً راكبو الدراجات بميزة أخرى، وخصوصاً للذهاب والإياب من العمل، هي دخول هذا النشاط بسلاسة في روتين اليوم، بشكل لا يحتاج معه راكبو الدراجات للعزيمة والإرادة للانتظام في ممارسته، كما هو الحال مثلاً مع الذهاب بانتظام للصالات الرياضية أو «الجيم».
وأما الدراسة الأخرى، فهي في الحقيقة مراجعة لنتائج 39 دراسة غيرها، وخلصت إلى أن ممارسة النشاط البدني، والرياضة، بغض النظر عن النوع، أو الطريقة، أو الكمية، تحافظ على القدرات الذهنية لمن بلغوا العقد الخامس من العمر، على صعيد قوة الذاكرة، ووضوح التفكير، والقدرة على التحليل والاستنتاج، وباقي الوظائف العقلية المعتادة. وهو ما يعود ليؤكد أن من يمارسون النشاط البدني والرياضة بشكل منتظم، سواء كان بركوب الدراجات الهوائية أو خلافه، يحصدون فوائد جمة، ليس فقط على الصعيد البدني الجسماني، وإنما أيضاً في جانب القدرات العقلية والذهنية، وعلى الصعيد النفسي أيضاً، حيث إنه من المعروف والثابت أن ممارسة النشاط البدني تحسن من الحالة النفسية. وحسب بعض الدراسات، تخفض ممارسة النشاط الرياضي في أوقات الفراغ أو كوسيلة ترفيهية، من الشعور بالقلق والتوتر، ومن احتمالات الإصابة بالاكتئاب. ويعتقد العلماء أن هذا التأثير ينتج بسبب إفراز الجسم لمادة كيماوية خاصة، معروف عنها تخفيف الآلام البدنية، والحد من أعراض الاكتئاب، من خلال رفع الروح المعنوية، وخلق شعور بالغبطة أثناء وبعد ممارسة الرياضة.