نهاية حقبة الـ«باكس أميركانا»
إذا ما مللتم من مشاهدة مسلسل «المتدرب» The Apprentice، فيمكنكم بكل سهولة أن تغلقوا التلفاز. أما مسلسل ترامب فيبدو أنه قد كتب علينا أن نشاهده طيلة الوقت.
فالتعيينات الجديدة تتوالى بسرعة فائقة: «ريك بيري» لوزارة الطاقة التي لم يستطع ترامب أن يتذكر اسمها الصحيح، عندما قال إنه يريد تفكيكها. «سكوت بروت» لرئاسة وكالة حماية البيئة، على الرغم من أنه من المعروف أن الرجل قد قضى السنوات الأخيرة في مقاضاة الوكالةّ!، ولم يكتف ترامب بذلك، بل عين أحد المنتقدين الشرسين للوائح حماية العمال كي يكون وزيراً للعمل!، كما رشح مسؤولاً تنفيذياً في مجال صناعة النفط وهو «ركس تيلرسون»، الذي تمتلك شركته حقوق حفر على مساحة 63.7 مليون فدان في روسيا، لتولى إدارة المعاملات مع بوتين على الرغم من حقيقة أن موسكو اخترقت تواً العملية الانتخابية الأميركية.
كل تلك التعيينات، قدمت دليلاً إضافياً على أن ترامب يميل للبحث عن منقذين يهدونه إلى جادة الطريق. وترامب يعرف ذلك. وكان على حق في ذلك حتى الآن. فقبل أي شخص آخر كان هو من اهتدى إلى إدراك أن الديمقراطية المباشرة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، دفنت الديمقراطية، وأهالت عليها التراب.
ولكن دعونا نواجه الحقيقة يا قوم.. وهي أنه ليس لدينا أدنى فكرة عما سيحدث قريباً في البيت الأبيض، سواء المقر الرسمي لإقامة رئيس الولايات المتحدة، أو «البيت الأبيض الشمالي»، برج دونالد ترامب الشهير في وسط مانهاتن. مع ذلك هناك بعض الأشياء تظهر من خلف الضباب، منها على سبيل المثال: أولاً، أن ترامب ليس مهتماً بالنظام الدولي القائم على القواعد والنظام، الذي أمضت الولايات المتحدة العقود السبعة الماضية في بنائه والدفاع عنه. ثانياً، إن سياسته الخارجية ستكون قائمة على الصفقات. فإذا ما كانت هناك سياسة أو صفقة ستحقق ربحاً لأميركا فهذا شيء جيد، أما إذا لم يكن الأمر كذلك فيجب التغاضي هنا. ثالثاً، إن الولايات المتحدة تحت قيادة ترامب ستتبنى موقفاً«لا إرادياً» أي غير محدد الاتجاه في مجال حقوق الإنسان والديمقراطية.
وأميركا إذا وضعت الأحكام الأخلاقية جانباً، فسوف تنحو لحد كبير للتصرف مثل الصين في الساحة الدولية. ولكن هذا التشبيه يظلم الصين في الحقيقة، لأن الصينيين يفهمون فوائد التجارة الحرة (وهم بالتأكيد يفهمون أيضاً أنه عندما يمزق ترامب الشراكة عبر الهادي، وهي خطة استراتيجية تهدف لمعادلة القوة الصينية، فإن بلدهم سيصبح أقوى بالتأكيد) ولأنهم لا يستطيعون غالباً التنفس بسبب نسب التلوث المرتفعة فإنهم يفهمون أيضاً، وبطريقة لا يفهمها ترامب، أهمية مقاومة التغير المناخي.
حاولت، كمجرد تمرين ذهني، أن أتخيل ترامب وهو يقول شيئاً عن حلب- أي شي- عن التدمير الشنيع لمدينة حلب، وحاولت أن أتخيله وهو يقول شيئاً عن الجرائم الوحشية ضد المدنيين السوريين في القطاع الشرقي المحاصر من تلك المدينة المجيدة. فلم أخرج بشيء من هذه الممارسة الذهنية، لأن ترامب لا يعرف ما الذي يمكن أن يقوله عن كل ذلك.
أميركا فكرة، وإذا جُردت هذه الفكرة، من الحرية، وحقوق الإنسان، والديمقراطية وحكم القانون، فإن الولايات المتحدة- ومعها العالم- سوف تصبح فارغة من المعنى.
إن حقبة السلام الأميركي Pax American قد انتهت. بعد أن أدت ما عليها. فتحالف بوتين- ترامب مع الجزار بشار الأسد مقروناً مع تفكيك الأحلاف العسكرية، والمعاهدات التجارية، والتكامل السياسي، والإطار القانون للنظام الذي ساد في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، يمثل المسمار الأخير في نعشها.
وخطط ترامب مليئة بالتناقضات، التي لم يبدأ بعد في معالجتها. فهو، مثلاً، ضد الاتفاق النووي مع إيران، على الرغم من أنه لم يقرأه، ولكن بوتين يؤيد هذا الاتفاق. وترامب يريد القضاء على «داعش»، وروسيا تريد ذلك أيضاً، على الرغم من أن حليفها في سوريا هو إيران. وترامب يريد انتهاج سياسة» أميركا أولاً «المدفوعة بالمصالح التجارية. ولكن ها نحن نرى بوينج وهي توقع صفقة كبرى مع إيران. لذلك كله، ووسط هذا التناقض ربما ينتهي الحال بترامب إلى فعل الشيء الوحيد العاقل: المحافظة على الاتفاق النووي الذي هو في مصلحة الجميع.
من يدري؟ الأسواق تعتقد أنها تدري. فهي تحب ترامب، لأن ترامب يعتقد أن الأشخاص الكبار يجب أن يأخذوا كل شيء، وأن الأشخاص الصغار يجب ألا يأخذوا شيئاً. ولكن ألم يكن الأشخاص الصغار هم الذين صوتوا من أجله؟ إنه لشيء مضحك في الحقيقة. نعم أنه كذلك، أو ربما دعنا نقول، إنه شيء«محزن».
روجر كوهين
محلل سياسي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»