مشروع جديد لمسلمي الفلبين
تتألف الفلبين من عدة ولايات. على رأس كل ولاية حاكم، و«دامناو» واحدة من هذه الولايات، وكان حاكمها يدعى رودريغو دوتيرتي، وهو الذي انتخب رئيساً للدولة الفلبينية، ولكن خلال رئاسته للولاية، وقع حادت بشع لراهبة أسترالية، فقد تكالب على اغتصابها عدد من الشبان، ولما عرف الحاكم رودريغو بالأمر، أعرب عن استيائه الشديد في تصريح ندد فيه بعمل الشبان الفلبينيين، إلا أنه فاجأ العالم كله بتبرير استيائه وتنديده، فبعد أن أشاد بجمال الراهبة المغتصبة، قال: «لقد كنت أحق في أن أكون الأول بين الشبان»!
نشرت هذه الواقعة الغريبة الصحيفة الإنجليزية «الفاينانشال تايمز» المعروفة بصدقيتها (بتاريخ 10 مايو 2016)، غير أن المعروف عن الرئيس الجديد أنه يكره البابا فرنسيس وينتقده باستمرار، على رغم أن البابا يتمتع بسمعة محترمة في العالم كله، وخاصة في الفلبين الدولة الأشد كاثوليكية في كل القارة الآسيوية.
إلا أن انتخابه رئيساً للجمهورية ربما يفتح الباب أمام حل القضية السياسية- الدينية الأشد تعقيداً في تاريخ الفلبين الحديث، وهي قضية حقوق المسلمين في جزيرة مينداناو في الجنوب، فالمسلمون هناك يخوضون منذ عقود صراعاً مريراً في حاجة إلى حلول، وقد فشلت كل المساعي السياسية التي جرت حتى الآن، والتي قامت بها دول إسلامية عربية وغير عربية، وحتى تلك التي قامت بها منظمات آسيوية إقليمية ودولية.
ومعروف عن الفلبين أنها كانت بلاداً إسلامية في معظمها قبل أن يحتلها الإسبان في القرن السادس عشر، وقد أطلقوا على أرخبيل تلك الجزر اسم ملكهم –الملك فيليب- تقديراً له وتعظيماً، فأصبحت تعرف بهذا الاسم المستمر حتى اليوم، وهو الفلبين.
وكان الاسم الأساس للعاصمة مانيلا هو «أمان الله»، وكانت مدينة صغيرة محصنة، ومن هنا كان اسمها لما كانت تتمتع به من أمان واستقرار، وأطلق الإسبان على مسلمي الفلبين وهم من سكان البلاد الأصليين اسم «مورو»، وهو الاسم الذي كانوا يطلقونه على أعدائهم المغاربة منذ نهاية حرب الأندلس، ولا يزال يطلق على أعضاء حركة تحرير مينداناو اسم «مورو»، وهم لا يمتون بأي صلة عرقية إلى المغاربة.
ويعترف الرئيس الفلبيني الجديد بأن المسلمين هم من أهل البلاد، وأنهم مظلومون، وأنه لابد من إنصافهم حتى تحل قضية العصيان المسلح الذي يقومون به، وهو في هذا الرأي يعبر عن موقف متقدم لم يسبقه إليه أي رئيس فلبيني سابق، ومن هنا فإذا استطاع أن يحقق تسوية عادلة للصراع في مينداناو، فإنه يكون قد صنع تاريخاً جديداً له شخصياً.. ولبلاده في الدرجة الأولى.
يتمتع الرئيس رودريغو بشخصية قوية، ففي الحملة الانتخابية هدد علناً ومرات متعددة بأنه يحمل مشروعاً إصلاحياً شاملاً، وأنه إذا لم يتعاون الكونجرس الفلبيني معه، وإذا حاول عرقلة مشروعه، فإنه لن يتأخر في حل الكونجرس وصرف أعضائه إلى بيوتهم، ومن المشاريع التي يصرّ عليها إعادة العمل بقانون الإعدام الذي جمّد منذ عام 2006، وتقف الكنيسة الكاثوليكية وراء تجميد القانون على اعتبار أن الحياة هي ملك لله وحده، وقد أدى ذلك إلى ارتفاع نسبة الجريمة في الفلبين، ويقول الرئيس الجديد إنه سيعمل على إغناء الثروة السمكية في خليج مانيلا عن طريق تنفيذ أحكام الإعدام بمئة ألف مجرم وإلقاء جثثهم طعاماً للسمك.
لا يجيد الرئيس رودريغو «اللغة الدبلوماسية»، وهو في ذلك أشبه ما يكون بالمرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية دونالد ترامب، وتمتد ولاية الرئيس في الفلبين لست سنوات، وهي المرة الأولى في تاريخ هذه الدولة التي تتولى الرئاسة شخصية من هذا النوع، جدلية أخلاقياً وسياسياً، دينياً واجتماعياً مثل شخصية رودريغو، غير أن تجربة رئاسته لولاية «دامناو» التي استمرت 22 عاماً، تشير إلى أن الرجل يعني ما يقول، حتى أن بعض تصرفاته تبدو أكثر فجاجة من تصريحاته، فهو يقول ما في نفسه، ويدافع عن قناعاته بقوة اليد أو اللسان، أو بهما معاً، ولذلك يصفه محبوه ومعارضوه معاً بـ«البطاش»، ولذلك يخشى معارضوه من أن يتحول إلى ديكتاتور جديد في تاريخ الفلبين، ولكن أمل الفلبين يكمن الآن في حل القضية الأمنية- السياسية- الدينية المزمنة في «مينداناو» التي استنزفت الكثير من الدماء والسمعة، وكذلك من الاقتصاد الفلبيني على مدى عقود عديدة متعاقبة.
ومن المرجح أن يواجه الرئيس رودريغو معارضة عدد من جنرالات الجيش في مقاربته السلمية الجديدة لقضية «مينداناو»، وهنا سيكون الامتحان الصعب.