المثلث الخطر
جاء في الأثَر، أن شخصاً سُئلَ ما حدودُ وطنك، فأجاب أن حدود وطني تنتهي عند آخر قطرة دم طاهر سقطت من جندنا.. ولا أحسب أن المقصود بقطرات الدم الطاهرة تلك، في حالتنا العربية واليمن خصوصاً، سوى أنها قطرات دم شهيدنا في ساحات الوغى وميادين الرجولة، سقطت لتروي أرضاً عربية عزيزة، يُراد لها أن تكون أكثر عزة مما هي، وأكثر قوة ونماءً، وتصبحُ القطرات تلك علامة فارقة في جبين المجد، من أجل أمننا الوطني وأحلام أطفالنا يركضون في فراديس زاهية سعداء مطمئنين..
وعليه، كان لا بد لدولة الإمارات من أن تنسف أضلاع المثلث الخطر في غير مكان في الجغرافيا العربية والعالم، لأجل صناعة الإنسان المنتج والمتفاعل حضارياً. هنالك دول العالم ممن تتباهى وتتنافس ليكون لأحدها اليد الطولى في أكثر من مجال؛ فدولة تتباهى بالقوة العسكرية الضاربة، ودولة تتباهى بالقوة الاقتصادية متنامية الوفرة، وأخرى تتباهى أنها أصبحت بيت خبرة، واستطاعت أن تصدر بنجاح المعرفة والعلوم والخبرات البشرية في التنمية إلى العالم.
لكن هنالك دولا أخرى مختلفة في العالم، والإمارات أبرزها، فهي رغم امتلاكها الكثير مما عند الدول المتقدمة، إلا أنها فضلت أن تمتلك ميزة تُعرف بها وتدل عليها، اختارت الأصعب لكن الأهم، والأكثر كُلفةً لكن الأطول خلوداً في عمر البشرية، اختارت ميزة «الإنسانية» القائمة على إنهاض الشعوب والأمم ومساعدتها تنموياً عبر القضاء على مثلث «الفقر والتخلف والمرض». دولة الإمارات إحدى دول قلة في العالم اختارت أن تكون «القوة الإنسانية الضاربة»، وتجلت في ذلك؛ فهي لم تقف عند النجاحات الباهرة التي أنجزتها في غير مجال ومكان حتى الآن، بل سجلت في مضمار الإنسانية الحيوي، ريادة فارقة مستمرة وفاعلة، لتصبح الدولة الأولى بين دول العالم في محاربة الفقر، وفقاً لتقرير منظمة الغذاء العالمي التابعة للأمم المتحدة. ولتكون الأولى بين دول العالم في المساعدات الإنسانية المباشرة عبر الهلال الأحمر الإماراتي، إضافة إلى أنها إحدى دول قلة تميزت بتحقيق الشفافية والتنافسية على مستوى العالم.
الإمارات اليوم، دولة خطت لنفسها فلسفة خاصة تقوم على «المساعدة الإنسانية الضاربة» المباشرة وغير المباشرة، فلسفة تقوم عل مفهوم أن المساعدات الإنسانية في نوعها وكمها متى كانت في توقيتها ومكانها المناسبين، تشكل عاملًا أول ورئيسا في محاربة المثلث الأخطر في التاريخ المعاصر للبشرية، وهو مثلث «الفقر والتخلف والمرض»، فمتى ما تداعت أضلاع هذا المثلث تحت ضرباتها، انهارت معه وبالتزامن منظومة السراب «التطرف والإرهاب والتدمير» على اختلاف شعاراتها وأماكنها، وبعدها فقط، ستجد المجتمعات البشرية نفسها مدفوعة نحو بديل واضح، نحو المثلث الأفضل، وهو مثلث «الصحة والعلم والازدهار» القائم على البناء والتقدم والرقي وصولاً إلى صناعة الإنسان المنتج والمبتكر والمتفاعل حضارياً، وبذلك وحده - وليس بغيره - تكون المجتمعات البشرية قادرة على تحقيق التنمية الشاملة المستهدفة الإنسان، والضامنة بالضرورة عدم العودة إلى أحضان مثلث البؤس «الفقر والتخلف والمرض».
محمد حسن الحربي: إعلامي وكاتب صحفي