"المنار": دوافع سياسية وراء حظرها!


توشك قضية قناة تلفزيون "المنار" التي صدرت قرارات في الآونة الأخيرة؛ بإيقاف بثها في أوروبا وبتصنيفها كمنظمة إرهابية في الولايات المتحدة، أن تصبح موضوعا سياسيا إلى أقصى حد، سواء بالنظر إلى طبيعة القوى التي تقف وراء هذه القرارات، أو نتيجة لحجج وتبريرات الموقف ضد وسيلة إعلامية في اثنتين من قلاع الديمقراطية الغربية! فقد أوقفت "المنار" إرسالها إلى أوروبا عصر يوم الـ14 من الشهر الجاري، بعد أقل من يوم على أمر أصدرته محكمة فرنسية إلى شركة الاتصالات "يوتلسات"، الواقع مقرها في باريس، بالامتناع عن بث برامج القناة عبر القمر الاصطناعي التابع للشركة. وجاء قرار المحكمة أيضا بعد 25 يوما فقط على اتفاقية وقعتها "المنار" والمجلس الفرنسي الأعلى للإعلام السمعي والبصري في الـ19 من نوفمبر الماضي، سُمح بموجبها للقناة بالبث على التراب الفرنسي مدة عام كامل كمرحلة أولى. وفرضت الاتفاقية شروطا قاسية على "المنار"، بما في ذلك الامتناع عن إذاعة أي مواد يحتمل أن تحتوي على "دعوة للعنف" أو "بث للكراهية" أو "عداء للسامية" لكن المنظمات والجمعيات اليهودية في فرنسا شنت حملة ضغوط إعلامية وسياسية واسعة ضد توقيع الاتفاق، واعتبر روجيه كاليرمان رئيس المجلس التمثيلي للمنظمات اليهودية في فرنسا أن سلطات البلاد ارتكبت خطأ فادحا بسماحها ببث "المنار". وقام المجلس بحملة كبيرة لجمع توقيعات على عريضة تطالب بمنع بث المحطة، كما طالب عدة وزراء أمام البرلمان بإعادة النظر في الاتفاق. ثم شدد رئيس الوزراء بيير رافارين على تلك المطالبة قائلا:إن برامج "المنار" لا تتفق مع قيمنا"! وذلك في تصريح اعتبرته "المنار" تدخلا في سير القضاء! وعلى هذه الخلفية المعبأة والحاشدة، قام المجلس الأعلى للإعلام السمعي والبصري بإجراءات انطوت على بعض التصعيد، ففي 30 نوفمبر أبلغ القناة بضرورة "احترام واجباتها القانونية والاصطلاحية"، ثم رفع في اليوم التالي طلبا رسميا إلى مجلس شورى الدولة بحظر "المنار"، ثم أعلن في السابع من الشهر الجاري اعتزامه فرض عقوبات ضدها، وقال في رسالة وجهها إلى شركة "المجموعة اللبنانية للإعلام" المسؤولة عن المحطة، "إن "المنار" ارتكبت خروقات جديدة في بثها"، وإنها "أثارت الكراهية الدينية مرة أخرى في برنامج بثته يوم الثاني من ديسمبر الجاري".


 وأخيرا أصدرت المحكمة الإدارية الفرنسية العليا قرارا بإلغاء الترخيص لـ"المنار"، استندت كل حيثياته إلى برنامج أذاعته القناة في الثالث والعشرين من نوفمبر الماضي، وتضمن تصريحات لخبراء قالوا إن إسرائيل وراء تفشي مرض "السيدا" بين الشعوب العربية. وفي هذا الوقت أيضا كانت قناة "المنار" موضعا لقرار جرى إعداده على الجانب الآخر من الأطلسي؛ حيث أعلنت الخارجية الأميركية يوم الـ17 من الجاري أنها أدرجت "المنار" على لائحتها للمنظمات "الإرهابية"! وجاء القرار الأميركي في سياق الحملة القوية التي نظمتها مؤسسة "واشنطن لسياسات الشرق الأدنى" ضد "المنار"، حيث نشرت المؤسسة كتابا بعنوان "منارة الحقد: داخل تلفزيون المنار"، واشتمل على توصيات تدعو إلى حرمان "المنار" من مصادر تمويلها في أوروبا وأميركا والعالم العربي. فهل ستستطيع "المنار" تجاوز الحظر ؟


تأسست قناة "المنار" وباشرت بثها الأرضي عام 1991، بعد أن حصلت على ترخيص من الدولة اللبنانية التي بدأت حينذاك تنظيم البث التلفزيوني وأغلقت العديد من المحطات التي تكاثرت خلال سني الحرب الأهلية في لبنان. ثم بدأت "المنار" إرسال بثها الفضائي في عام 2000 وتوسع زمن بثها ليصبح 24 ساعة في اليوم. وقد نشأت "المنار" كقناة تابعة لـ"حزب الله"، هدفها تقديم البرامج الدينية وكوسيلة تعبوية للحزب الذي أصبح أول تنظيم مسلح يضع الكاميرا في خدمة نشاطه العسكري، حيث كانت عملياته التي صور معظمها من أهم دوافع الانسحاب الإسرائيلي من لبنان في مايو 2000. وتقول القناة عن نفسها إن هدفها "معارضة الدعاية الصهيونية والرد عليها"، وإنها في الوقت ذاته "تنتهج سياسة موضوعية" وتتوجه إلى العرب والمسلمين في كل أقطار العالم "بخطاب توحيدي منفتح". وهي في الوقت الحالي قناة تلفزيونية عامة ذات برامج متنوعة، تتميز بنسبة كبيرة من البث المباشر، تذيع العديد من البرامج الحوارية المباشرة وتقدم 12 نشرة إخبارية يومية وتغطيات ميدانية من خلال مراسليها في أنحاء العالم، وبدأت في صيف العام الماضي تقديم نشرات إخبارية باللغة الإنجليزية، ووظفت شابة فرنسية اعتنقت الإسلام ولبست الحجاب لتقديم النشرة الفرنسية.


ويغطي إرسال القناة كامل المنطقة العربية والقارات الأميركية والأفريقية والأسترالية وجزءا كبيرا من آسيا. ويقدر عدد مشاهديها بنحو 28 مليونا، وهي الأكثر شعبية في لبنان خاصة ضاحية بيروت الجنوبية. ورغم أن "المنار" تغيرت عن ذي قبل وباتت أكثر رصانة ومهنية، فلا زالت برامجها تتركز على نضال الشعب الفلسطيني