فرط الأنسولين.. وفوائد القرفة وحليب الصويا
في داخل البنكرياس، توجد مجموعات من الخلايا المتخصصة، تتجمع في شكل جزر، وتعرف بخلايا «بيتا». ومن ضمن الوظائف المتعددة التي تضطلع بها هذه الخلايا، يعتبر من أهمها التحكم في مستوى السكر «الجلوكوز» في الدم، من خلال إفرازها لهرمون الأنسولين، وبكميات تتناسب مع مستوى «الجلوكوز» في الدم. ويؤدي اختلال عمل هذه الخلايا إلى داء السكري، بنوعيه، الأول والثاني. في النوع الأول، يعتقد أن جهاز المناعة- لسبب أو آخر- يهاجم ويدمر خلايا «بيتا»، مما يجعل هذا النوع من السكري من أنواع أمراض المناعة الذاتية، ويؤدي إلى عجز الجسم عن إنتاج الأنسولين، والتحكم في مستويات «الجلوكوز» في الدم.
أما النوع الثاني من السكري، فتلعب عدة عوامل دوراً فيه مثل السن، والتاريخ العائلي، والسمنة، وتناول غذاء مرتفع المحتوى من السكريات البسيطة. وفي هذا النوع من السكري تظل خلايا «بيتا» قادرة على إفراز الأنسولين، ولكن خلايا الجسم تقاوم تأثيره، وقدرته على نقل «الجلوكوز» من الدم إلى داخل خلايا الجسم. وهو ما يعني أن النوع الأول من السكري هو مرض نقص في الأنسولين، أما النوع الثاني فهو مرض مقاومة الأنسولين، وفي الحالتين يرتفع مستوى «الجلوكوز» في الدم إلى مستويات غير طبيعية، تؤدي بمرور الزمن إلى مضاعفات وتبعات صحية خطيرة.
وفي النوع الثاني من داء السكري، يحاول الجسم تعويض زيادة مقاومة الأنسولين، بزيادة ما ينتجة البنكرياس من هذا الهرمون، وهي الحالة المعروفة بفرط الأنسولين (Hyperinsulinemia)، التي تتميز بارتفاع قياسات مستوى الهرمون في الدم خارج المعدلات الطبيعية. وترتبط هذه الحالة بارتفاع مستوى ضغط الدم، والسمنة، واضطرابات مستوى الدهون في الدم، وقصور قدرة الجسم على التعامل مع «الجلوكوز». وهذه الاضطرابات مجتمعة، تشكل معاً ما يعرف بـ«المنظومة الأيضية»، ويعتقد العلماء أن هناك اشتراكاً في خلفية الميكانيزمات المرضية بين فرط الأنسولين وبين المنظومة الأيضية. ومؤخراً، أظهرت الدراسات أن فرط الأنسولين، يلعب دوراً في ارتفاع ضغط الدم بين الأشخاص زائدي الوزن والسمان، من خلال زيادة احتفاظ الكليتين بالصوديوم. وبما أن فرط الأنسولين قد يؤدي إلى الإصابة بداء السكري من النوع الثاني، بل قد يعتبر البعض أنه هو المرحلة الأولية من المرض، يصبح من الضروري متابعة الوزن، والحفاظ عليه في مستويات طبيعية، مع متابعة مستويات السكر في الدم، ومستويات هرمون الأنسولين من خلال الفحوصات والتحاليل الطبية.
ولا يظهر فرط الأنسولين في حد ذاته في شكل أعراض محددة، إلا إذا انخفض، أو ارتفع، مستوى «الجلوكوز» في الدم بشكل كبير، تظهر حينها أعراض هذا الارتفاع، أو الانخفاض. وبخلاف اللجوء لاستخدام عقار «الجلوكوفاج» لخفض مستوى الأنسولين، وخصوصاً لدى المرضى زائدي الوزن، يعتمد العلاج بشكل أساسي على الزيادة في ممارسة الرياضة والنشاط البدني، وعلى تغيرات جذرية في كمية ونوعية الغذاء، وخصوصاً خفض محتواه من الكربوهيدرات، وبالتحديد السكريات البسيطة، مع رفع محتواه من الألياف، والبروتينات النباتية. وهو ما يعني مثلًا، استبدال الخبر الأبيض بخبز الحبوب الكاملة، ومثله في ذلك الأرز، مع تجنب الأطعمة عالية المحتوى من النشويات مثل البطاطس، والمعكرونة، والأرز، وزيادة المتناول من الخضروات الورقية والبقوليات، مثل العدس، والفول، والحمص، والفاصوليا.
ومؤخراً أظهرت بعض الدراسات الطبية أن تناول القرفة كمشروب أو كمكمل غذائي يمكنها أحياناً خفض مستوى الأنسولين في الدم، وربما يتوافق هذا مع التاريخ الطويل لاستخدام هذا البهار النباتي في الطب الشعبي أو التقليدي. كما يكتسي أيضاً فول الصويا من ضمن البقوليات أهمية خاصة في خفض مستويات الأنسولين في الدم. ويمكن الحصول على هذا النبات من خلال عدة طرق، ربما كان من أسهلها وأكثرها توفراً حليب الصويا (Soy Milk)، وهو عبارة عن مستحلب يتم الحصول عليه من خلال نقع حبوب فول الصويا في الماء، ثم طحنها، ولطالما شكل هذا المنتج مكوناً أساسياً من غذاء شعوب شرق آسيا.
وفي الوقت الذي لا يحتوي فيه حليب الصويا على أي كولستيرول بالمرة، ولا على سكر «اللاكتوز»، وعلى القليل جداً من الدهون المشبعة، نجد أنه يصنف كبروتين كامل، وبكميات مساوية لحليب البقر. بمعنى أنه يحتوي على جميع الأحماض الأمينية التسعة الأساسية، التي تكتسي أهمية فائقة في تغذية الإنسان، ولا يمكن للجسم إنتاجها ذاتياً، ولابد من الحصول عليها من مصدر خارجي. وهذا ربما يفسر تأثيره سابق الذكر على مستوى هرمون الأنسولين في الدم، كما أنه يساعد على خفض مستويات الكولستيرول السيئ، والدهون الثلاثية، وإن كان يجب على المرضى المصابين بداء النقرس، أو ارتفاع مستوى حمض البوليك (Uric Acid)، الاعتدال في الكميات المتناولة من حليب الصويا، بسبب محتواه العالي من «البيورين».