ويبيسونو: حقوق الفلسطينيين وإفشال المهمة!
أعلن «مكارم ويبيسونو» أن إسرائيل ظلت تعيق عمله ولم تسمح له حتى الآن بدخول قطاع غزة أو زيارة أي مناطق في الضفة الغربية، وقال في بيان أصدره الاثنين الماضي، موضحاً سياق وملابسات استقالته من منصبه كمقرر خاص لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، إن الدولة العبرية أجهضت مراراً الجهود التي كان يبذلها لـ«تحسين حياة الضحايا الفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي»، وأضاف: «آمل بصدق أن يتمكن المقرر الذي سيخلفني من حل المأزق الراهن، وأن يطمئن الشعب الفلسطيني إلى أنه بعد نحو نصف قرن من الاحتلال، فإن العالم لم ينس وضعه المأسوي وأن حقوق الإنسان هي فعلا عالمية».
وكان ويبيسونو قد تولى مهامه كمقرر أممي حول أوضاع حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، في يونيو 2014، خلفاً للأميركي ريتشارد فولك، والذي لم تسمح له هو أيضاً إسرائيل بالتوجه إلى الضفة الغربية وقطاع غزة.
هذا، ويعتبر المقرر الخاص بمثابة الخبير الأممي الأرفع درجة حول مسألة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، ويعيِّنه مجلس حقوق الإنسان في منظمة الأمم المتحدة، وهو مؤسسة طالما نظرت إليها إسرائيل بعين الكراهية والرفض، لذلك فقد عملت على منع مقرِّرها الأول لحقوق الإنسان في فلسطين (فولك) من الاضطلاع بمهمته، كما عملت على إفشال بعثة الأمم المتحدة برئاسة القاضي الجنوب أفريقي ريتشارد غولدستون لتقصي حقائق الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. وكذلك فعلت مع مهمة ويبيسونو بمنعه من دخول مناطق الضفة والقطاع، رغم ما يتصف به منصبه من حياد وما له شخصياً من خبرة دبلوماسية في التعاطي مع الشؤون الأممية والملفات الخلافية في علاقات الدول وقضايا الأمن وحقوق الإنسان.
ومكارم ويبيسونو دبلوماسي إندونيسي وخبير أممي له خبرة ممتدة من العمل في الأمم المتحدة، وقد ولد عام 1947 في مقاطعة «نوسا تنجارا الغربية» الأندونيسية شرق جزيرة بالي، وتلقى تعليمه في مدارسها قبل أن ينتقل لجامعة «غادجاه مادا» في مدينة «يوجياكارتا» بجنوب جاوة الوسطى. بعدئذ سافر للدراسة في جامعة جونز هوبكنز بالولايات المتحدة، فحصل منها على درجة الماجستير في العلاقات الدولية، ثم درس في جامعة ولاية أوهايو حيث نال درجة الماجستير في الاقتصاد الدولي ثم درجة الدكتوراه في العلوم السياسية.
وفي تلك الأثناء كان ويبيسونو يعمل في البعثة الدبلوماسية الإندونيسية لدى الأمم المتحدة، وقد ترقى فيها إلى أن أصبح الممثل الدائم لبلاده لدى المنظمة الدولية في نيويورك بين عامي 1997 و2000، ثم في جنيف من 2004 إلى 2007، كما شارك في أعمال عدة هيئات وأجهزة داخل الأمم المتحدة، حيث ترأس مجموعة الـ77 في عام 1998، وترأس المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة عام 2000، كما ترأس الدورة الـ61 للجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان عام 2006، ثم المنتدى السنوي الثاني للأعمال التجارية وحقوق الإنسان عام 2013.
أما على المستوى الوطني الإندونيسي والإقليمي الآسيوي، فقد شغل ويبيسونو منصب رئيس جهاز مكافحة الإرهاب في «منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ» (آيبيك) في عامي 2003 و2004، ثم عمل مديراً تنفيذياً لمكتب «رابطة دول جنوب شرق آسيا»، المعروفة اختصاراً باسم «آسيان»، في جاكرتا بين عامي 2011 و2014.
وعلى خلفية خبرته الدبلوماسية الطويلة، تم اختياره من قبل مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، في يونيو 2014، مقرراً حول وضعية حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، محل القاضي وأستاذ القانون الأميركي ريتشارد فولك الذي استقال من المنصب احتجاجاً على الموقف الإسرائيلي المعيق وغير المتعاون، بل المعادي أصلا لفكرة تعيين المقرر ولكل قرارات مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
ومنذ تعيينه مقرراً لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، وجه ويبيسونو الكثير من الطلبات والنداءات إلى الجانب الإسرائيلي بغية تمكينه من دخول الأراضي الفلسطينية، لكنه لم يجد تعاوناً من جانب الدولة العبرية التي رفضت منحه تأشيرة دخول، ولم تقبل السماح له بالاتصال والتنقل المطلوبين للقيام بمهامه. بيد أنه زار المنطقة في سبتمبر 2014، عقب الحملة العسكرية الإسرائيلية الشرسة على قطاع غزة، وأعرب عن تأثره العميق بقصص الضحايا، بما فيها قصة «منار» (14 عاماً من بيت حانون)، والتي كانت تتعالج في المستشفى بعد أن فقدت رجليها في القصف الإسرائيلي على إحدى مدارس «الأونروا» في القطاع، كما فقدت أمها وثلاثة من إخوتها في نفس الهجوم. ووصف ويبيسونو حجم الدمار الكبير في غزة، وقال إن إعادة الإعمار وحدها لا تكفي بل يجب وضع حلول طويلة الأمد لوقف دائرة العنف وكبح انتهاكات حقوق الإنسان، مشدداً على مطالب الفلسطينيين حول المساءلة وإنهاء الحصار والاحتلال.
وفي تلك الزيارة سئل ويبيسونو عن السبب وراء قبوله منصب مقرر حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، وهو يعلم مسبقاً الصعوبات التي سيواجهها كما واجهها من قبله ريشارد فولك، وهو أميركي يهودي (كما ورد في السؤال)، فرد قائلا: «أنا لا أتناول في تفويضي الجانب السياسي الذي يختلف كثيراً، بل أهتم بكيفية المساهمة بشيء ما لمساعدة ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان. لقد رأيت بنفسي تأثير القنابل على الأطفال، رأيت بنفسي الأطفال الذين فقدوا آباءهم وأمهاتهم وعائلاتهم وجميع إخوتهم. فقلت لنفسي إنني قد وصلت بالفعل لمواقع مرضية من حياتي المهنية، لكن هل ينبغي أن أبقى صامتاً حيال هذا الوضع المقلق للغاية؟ وما معنى إنسانيتي إن غضضت الطرف عن المشكلة؟ أحاول في آخر مرحلة من حياتي فعل شيء على الأقل لمساعدة الضحايا. إذا حاولت لفترة ما وفشلت، فسأستقيل وأفسح المجال لغيري ليتولى المسؤولية».
وذلك ما فعله ويبيسونو عملياً ببيان الاستقالة الذي أصدره الاثنين الماضي من مقر المجلس الأممي لحقوق الإنسان في جنيف، وقد ذكر فيه، بوضوح ودون مواربة، كيف أفشلت دولة الاحتلال الإسرائيلي مهمته في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وكان ذلك بحد ذاته برهاناً آخر على الحالة المأساوية لأوضاع حقوق الإنسان في ظل سياسة القيود والمنع والإغلاق التي يفرضها الاحتلال هناك.. مما يغني عن تقارير كثيرة لا يعبأ بها النافذون في «المجتمع الدولي»، وآخرها تقرير القاضي جولدستون، والذي كان يمكن لويبيسونو أن يضيف إليه تقريراً آخر في أدراج المنظمة الدولية ومهملاتها الكثيرة!
محمد ولد المنى