قراءة في القرار 2254
لم يكد السوريون يفرحون قليلاً بما وجدوا من اهتمام المجتمع الدولي بقضيتهم في بيان مؤتمر فيينا (منتصف نوفمبر الماضي) حتى فوجئوا بصدور قرار مجلس الأمن 2254 مرضياً لروسيا بدل أن يكون مرضياً للسوريين الذين لم يجدوا في هذا القرار خطة عملية قابلة للتنفيذ، لأن القرار لم يشر للعقدة الرئيسة بوصفها موضوع القضية، وهي دور رأس النظام السوري في المرحلة الانتقالية، وهي مسألة غير تفاوضية لكونها نقطة الانطلاق إلى التفاوض وبدون الاتفاق المسبق على انتهاء دور الأسد، مع بدء مرحلة الانتقال السياسي (من عهد انتهى إلى عهد يبدأ)، فإن التفاوض سيكون حول شرعنة بقائه في رأس السلطة، وهذا ما تريده روسيا عبر انتخابات يصعب أن يشارك فيها السوريون جميعاً، وأكثر من عشرة ملايين منهم مشردون في أرض الشتات، والباقون تحت سيطرة النظام لن يتحرروا من كوابيس الخوف مادام متاحاً للأسد وأركان نظامه أن يستمروا في الحكم.
لقد طلبت بعض الدول الصديقة والمهتمة بالقضية السورية من مختلف أطياف المعارضة أن يتوقفوا عن المطالبة بإسقاط النظام، وبرروا ذلك بالحاجة إلى وقف نزيف دماء السوريين، وبالحاجة إلى الاستفادة من تجربة العراق، حيث كان حل الجيش وأجهزة الأمن من قبل الأميركان خطأً فادحاً فتح كل أبواب الفوضى في البلاد، وأبدى كثير من المعارضين السياسيين تفهماً لذلك، وأكدوا حرصهم على مؤسسات الدولة، مع إعادة هيكلة وتشكيل قوى الجيش وأجهزة الأمن وتشكيل مجلس عسكري جديد، ولكنهم أعلنوا أن رحيل الأسد ليس محل تفاوض، فهو صلب الموضوع، ولاسيما أن التفاوض سيكون حول مرحلة انتقال سياسي.
وقد أبدت جل الجهات الدولية تفهماً لذلك، لأن بقاء الأسد ولو بصورة شكلية ودون صلاحيات ستمنحه شرعية جديدة وبراءة من مسؤوليته المباشرة عن تدمير سوريا وعن طوفان الدم السوري من كل شرائح المجتمع، وعن مسؤوليته عن استدعاء قوات أجنبية احتلت سوريا مثل إيران وروسيا.
ولقد جاء قرار مجلس الأمن 2254 عبر هذا الإغفال المتعمد لدور الأسد بوابة لإدخال المفاوضات في متاهات لا تنتهي، ولو أنه قرر انتهاء دور الأسد مع بدء المرحلة الانتقالية، فإن المفاوضات بين نظام يدرك أنه يودع الديكتاتورية وبين معارضة تثق بأنها مقبلة على بناء دولة ديموقراطية، ستكون مفاوضات سهلة ويسيرة، ولن تحتاج شهوراً.
وثمة أمر خطير في قرار مجلس الأمن، وهو ما سمي القضاء على الملاذ الآمن للتنظيمات الإرهابية، ومجلس الأمن يعلم أن هذه التنظيمات تقيم وسط تجمعات سكانية مكتظة بالسكان الآمنين العزل، وقد أصبحوا ملاذاً ورهائن أيضاً وهم ملايين السوريين، فهل يتم القضاء عليهم وتباد محافظاتهم ومدنهم وقراهم لمجرد أنهم يسكنون في أمكنة يسيطر عليها إرهابيون؟ إن على مجلس الأمن أن يفرق بين هؤلاء المدنيين والإرهابيين، وأن يمنع القصف العشوائي الذي تقوم به روسيا التي جعل قرار مجلس الأمن احتلالها لسوريا شرعياً بذريعة مكافحة الإرهاب، وجلّ قرارات مجلس الأمن السابقة تحرم القصف العشوائي، وكان مريعاً أن تصعّد روسيا هجماتها على المدن والأرياف السورية وأن تسرف في قتل المدنيين الأبرياء بأسلحة محرمة دولياً وبأسلحة كيماوية (كما حدث في إدلب والمعضمية ودير الزور والغوطة قبل أيام قليلة) في الوقت الذي تدعو فيه مع المجموعة الدولية إلى حل سياسي.
ويرفض السوريون أن تستثني تصنيفات الإرهاب منظمات وميليشيات طائفية لبنانية وإيرانية وعراقية (شيعية) لا تختلف في شيء عن تنظيم الدولة (داعش)، وكأن المجموعة الدولية تحصر الإرهاب بالمنظمات التي تنتمي إلى السُنة، مع أن الإرهاب لا يصنف مذهبياً، وإنما يصنف حسب طبيعة العمل الميداني، وما يرتكب من جرائم ضد الإنسانية.
ولقد كان مفاجئاً أن يضيف القرار مرجعيات أخرى إلى مرجعية جنيف، وأن ينظر إلى مؤتمر الرياض بوصفه واحداً من مؤتمرات أخرى، فيقلل من أهمية كونه يختص وحده بالإشراف على المفاوضات عبر هيئة عليا انبثقت عنه.