لم تكن النكبة الفلسطينية في عام 1948 مجرد حدث وقع في تلك السنة المشؤومة، بل هي قصة صمود مستمرة لشعب من «الجبارين» رغم كل السياسات الإسرائيلية الرامية لاقتلاعه من أرضه. فالفلسطيني الذي بقي في أرضه يعيش في ظل الدولة الصهيونية، يخوض مواجهة يومية للتمسك بالأرض، سعياً لتثبيت هويته في تحديات تستهدف تحويله إلى أقلية دون أي انتماء، وفي ظل قوانين عنصرية تتعلق بالأرض والإنسان والهوية وحرية الرأي والتنظيم.. إلخ. لقد «شرعنت» الدولة الصهيونية قوانين عنصرية ضد الفلسطينيين في أراضي 48 حيث فرضت الحكم العسكري ضد الفلسطينيين، مستحدثة قوانين عنصرية شملت كافة مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مسعى لطرد وتهجير من تبقّى من الفلسطينيين في أرضه. وفي الكيان الصهيوني اليوم، هناك 45 قانوناً عنصرياً سنّتها سلطات الاحتلال للسيطرة على الأراضي التي جرى تهجير حوالي 957 ألف فلسطيني منها عام 1948، وصولاً إلى محاولة المسّ بمواطنتهم في دولة تصر على أنها «يهودية». وهذه «القوانين» التي صدرت في مطلع الخمسينيات، لا تزال آثارها متواصلة ومن أبرزها: «قوانين» أملاك الغائبين، والعودة، والمواطنة، والدخول إلى «إسرائيل»، وقانون شراء الأراضي. والجامع في كل هذه «القوانين»، هو تضييق الخناق على فلسطينيي 48، لشرعنة العنصرية والعداء لكل ما هو فلسطيني وعربي، وصولاً إلى التعامل مع الفلسطينيين هذه الأيام كأعداء بشكل علني. وإن كان الأمر لا يتعلق بعدد القوانين بقدر ما يتعلق بخطورتها الهادفة لمحاصرة الوجود العربي في فلسطين 48، نرى كيف تصر الأحزاب السياسية الإسرائيلية على «موضة» طرح أفكار مشاريع قوانين عنصرية في حملاتها الانتخابية لكسب الشارع الإسرائيلي. فخلال الحملة الانتخابية الأخيرة للكنيست في مارس الماضي، توعد سياسيون إسرائيليون بالمزيد من هذه القوانين العنصرية. فمثلا، توعد أفيغدور ليبرمان، زعيم حزب «إسرائيل بيتنا» اليميني، بسن قانون لإعدام الفلسطينيين المدانين بتنفيذ عمليات ضد إسرائيل، إضافة إلى اصطفاف مختلف ألوان اليمين الإسرائيلي خلف مشروع قانون طرحه حزب «الليكود» اليميني، بزعامة نتنياهو باعتبار إسرائيل «الوطن القومي لليهود». وتأتي في هذا الإطار، مساعي نواب إسرائيليين لنزع صلاحيات المحكمة العليا الإسرائيلية الخاصة بالنظر في اعتراضات تقدم ضد قوانين يقرها «الكنيست» كي لا يكون هناك أي أمل بإمكانية تعديلها مستقبلاً، خاصة سحب المواطنة من أهالي من ينفذون عمليات ضد إسرائيل. وفي مقال كاشف بعنوان «سحب المواطنة وهذا الهراء»، كتب تسفي برئيل يقول: «في الدولة اليهودية فقط اليهود يستطيعون أن يكونوا إرهابيين بدون خوف من فقدان المواطنة. يستطيعون مفاوضة حماس والالتقاء بنشطاء إرهابيين دون أن تقدم ضدهم دعوى حول (اتصال مع جهات غريبة) أو (مساعدة منظمة إرهابية)، هذه الأعمال التي تعتبر سبباً لسحب المواطنة»! ويشرح: «مواطنة عرب إسرائيل ستكون دائماً مع وقف التنفيذ. وهي أشبه بالصدقة التي قدمتها الدولة لمن تعتبره عدواً طبيعياً. فكونه عربياً، يجعله يسعى إلى تدمير إسرائيل أو هو على الأقل مستعد لمساعدة من يطلب ذلك! التعبير الشامل الذي استخدمه نتنياهو (ينادون بتدمير إسرائيل) موجه إلى العرب في إسرائيل. من هنا، بات الطريق قصيراً إلى طرح شعار: عرب إسرائيل هم داعش وداعش هي عرب إسرائيل!». لعل من أخطر مشاريع القوانين الجديدة التي يتوقع أن تقر في «الكنيست الحالية» مشروع قانون «إسرائيل.. الدولة القوميّة للشعب اليهودي»، الذي يغير التعريف القائم لـ«دولة إسرائيل» من كونها «دولة يهوديّة ديمقراطيّة» إلى كونها «الدولة القوميّة (للشعب اليهودي)»، وأن حق تقرير المصير في إسرائيل هو حق حصري (للشعب اليهودي). وفي مقال «البديل: معسكر يهودي عربي»، كتب يرحميال كوهين: «المطلوب من جميع الأحزاب في إسرائيل الاعتراف بأن التطرف والقومية قد يؤديان الى صراع داخلي خطير، وأنه توجد حاجة لتقليص الفجوات الكبيرة بين السكان اليهود والعرب، سواءً في الميزانيات أو في إشغال المناصب الرفيعة في لجان الكنيست والحكومة من أجل أن يأخذوا نصيبهم من اتخاذ القرارات التي تحدد وجهة الدولة. إن تعلم اللغة العربية في عمر مبكر بالمدارس اليهودية واللغة العبرية في المدارس العربية، يجب أن يكون مركباً أساسياً في البرنامج المشترك لهذا المعسكر. وعلى القادة اليهود اتخاذ خطوات من أجل بناء جسر للجمهور العربي والحصول على تأييده للخطوة». ويختم ببلاغة: «نحن لسنا ملزمين بانتظار حرب أهلية مثل تلك التي عاشتها أميركا قبل 100 عام من إعلان استقلالها، حتى بدأت عملية تحرير الأفروأميركيين، ومرت عشرات السنين حتى تم إلغاء القيود على حياتهم. يمكن تجاوز هذه المراحل المخجلة وتحويل هذه الساعة إلى ساعة رغبة. هل هذه فانتازيا؟». وطالما أن حكم تحالف اليمين الصهيوني المتطرف قائم، فإن «أحلام» كوهين لن تكون أكثر من فانتازيا!