ما يحدث في العراق الآن من انفلات أمني وديمقراطية منقوصة كالعجوز الشمطاء المتصابية، ما هو إلا مزيج من الألم ومزيج من الدم وبحور من الفوضى ومحيط من اليأس. لقد استراح الناس من صدام وحكمه البغيض ولكنهم فوجئوا بآلاف "الصدامات" تأتي من كل حدب وصوب، ولا تعلم من يحارب من؟ ومن يتربص بمن؟ ومن يقتل من؟ وصار الناس يتذكرون صدام، لقد كان قاتلاً ولكن واحد، ولكن الآن صار عدد القاتلين يفوق عدد القتلى. ولعل بعض الناس يترحمون على أيام صدام الآن، وموقفهم هذا كمن يقول نعم لقد كان هناك ظلام ولكن كان مسموحاً لنا بالشموع، أما الآن فالظلام حالك وغير مسموح لنا إلا بالطلقات والمتفجرات. بالأمس القريب كنا ننتظر الغد المشرق بزوال صدام، أما الآن فنحن لا نعلم بالضبط من نريد زوالهم، ونخشى أن يصير الشعب كله مقاتلاً غارقاً في الدم.
لقد صارت نشرات الأخبار حمراء اللون بسبب الدماء التي تسيل في العراق. إننا نتعجب من حجم القوات المتحالفة والمتخالفة والمتخاذلة والقوات الحكومية والقوات الغازية، كلهم يحاربون ويقتلون ويُقتلون، ولا تدري لمن ستكون الغلبة، وربما لا تتمناها لكلاهما.
وبدأت القوات المتحالفة تدرك أنها حفرت حفرة لها وليس لصدام، صدام الآن مستريح في السجن، ولكن الإرث الذي تركه ثقيل ثقيل، ربما لا يقدر عليه سوى صدام مرة أخرى. كم هو استنتاج محزن يذكرنا بالدراما الاغريقية وتراجيديا شكسبير عندما ينتصر الخير في النهاية، ولكن الدراما العراقية أكثر دراماتيكي، خاصة وأن المشهد العراقي الراهن يجعل البعض يترحمون على أيام صدام حسين.
د. مراد راغب حنا - أبوظبي