تناقلت الأنباءُ خبر سفر عشر بريطانيات برفقه أزواجهن إلى سوريا للانضمام إلى عناصر ما يُسمى ( دولة الإسلام في العراق والشام)– داعش – فيما رأت صحف بريطانية أن انضمام المقاتلات البريطانيات إلى «داعش» قد يزيد من فرص بقاء الأسد في السلطة، ويعرقلن جهود «الجيش السوري الحر» للتخلص من النظام. وقال «شيراز ماهر» الباحث في المركز الدولي لدراسة التطرف في كلية الملوك بلندن: إن معظم «الجهاديين» البريطانيين يذهبون إلى سوريا لأسباب صادقة للمساعدة فيما يعتقدون أنه النضال ضد الظلم، غير أن الكثير منهم لا يُقّدرون الواقع القائم على الأرض. وقالت صحيفة «ديلي ميرور»: إن ما يُقارب 600 بريطاني قد سافروا إلى سوريا في السنوات الأخيرة للمشاركة في القتال الدائر على أراضيها مع الجماعات الجهادية، ولقي ما لا يقل عن 20 شخصاً منهم مصرعهم منذ اندلاع الأزمة هناك قبل ثلاث سنوات، واحتمال أن يكون أكثر من 300 منهم قد عاد إلى بريطانيا بعد حملة وطنية قامت بها الشرطة البريطانية لحث النساء البريطانيات على استخدام نفوذهن لمنع أبنائهن وأزواجهن وأشقائهن من التوجه إلى سوريا للمشاركة في القتال. بصراحة هذا الخبر يعني الكثير! ولابد من معرفة الدوافع وراء هذا الانجرار «النسائي» نحو القتال في سوريا، حتى من قبل بريطانيات يُفترض أنهن يعشن «عيشة راضية» في ظل نظام ديموقراطي عتيد، ويتمتعن بكامل حقوقهن كما الرجل!؟ وحتى لو افترضنا أن تلك «الجهاديات» من أصول آسيوية واستوطنت بريطانيا، فإن هنالك قوانين تحدد مشاركة المواطن البريطاني في حرب لا تعنيه بشيء، وليس دفاعاً عن أراضيه أو بقرار من دولته ضمن جيوش أممية أو في حلفٍ تنظم إليه بريطانيا. ولقد حذّر قائد في جهاز الشرطة البريطاني من تطوع البريطانيين للذهاب إلى سوريا للجهاد، وأنهم سيواجهون الاعتقال لدى عودتهم إلى البلاد، واصفاً إياهم بأنهم قد يمثلون خطراً أمنياً على بريطانيا. ولقد تم اعتقال 24 بريطانياً العام الماضي قاموا بأعمال تندرج تحت بند الإرهاب حسب تفسيرات السلطات للقانون البريطاني. وكانت بريطانيا قد أدخلت تعديلات على قانون بريطاني– العام الماضي– يجيز للحكومة مصادرة جواز سفر أي شخص تعتبر أنشطته الفعلية أو المُشتبه بها تتعارض مع المصلحة العامة. إن إشكالية العيش داخل تابوت التاريخ لا تختص فقط بالجغرافيا العربية، بل إنها ثقافة تساند التوجهات التي أُلصقت بالإسلام عنوة، وأخذت تتشكل في «فرق الموت» التي انطلقت من العراق إلى سوريا، ومن قبل ذلك في أفغانستان والشيشان وبعض الدول الأفريقية، وبعضهم يذهب دون دراية تامة بحتميات واشتراطات الجهاد، بل على «إغراء» الشهادة، التي لا تتحقق شروطها إلا في قتال العدو، وليس المسلم الآخر، الذي نختلف معه سياسياً، كما أن الشهادة لا تتحقق في مساندة الحكم الظالم الديكتاتوري!. وهذا ما يجري اليوم في سوريا. لقد تم غسل أمخاخ هؤلاء البشر بصورة ذكية، ولم يعد لديهم خيار بعد أن ألبسوهم حجب الظلام وكرَّهوا الحياة في أعينهم، وسوَّغوا لهم القتل، وقارنوه بالشهادة أو الشرف، حتى لو كان قتل طفل رضيع، أو عجوز قارب على وداع الحياة. ثم ما هو موقف جيران تلك النسوة عندما يعدن إلى بريطانيا ويتحدثن عن القتل أو تدفن إحداهن هناك؟ هل يمكن أن يقمن بغسل أمخاخ البريطانيين الأصليين، ويبررن قيامهن بالقتال مع «داعش»، وهي مؤسسة تدعم الفوضى والدمار والقتل من أجل تحقيق أجندات سياسية لا تناسب العصر ولا المنطق؟! وهل من المنطق أيضاً «تدريب» الطفل البريطاني– الذي رضع الحرية وعايشَ الديموقراطية البريطانية حتى وإن كان آسيوي الأصل– على تقمص دور القاتل والمُجاهد والمُفجّر نفسه، وهو يتعلم علوم الحياة من أجل وظيفة راقية، وقد يكون عالماً في المستقبل يخدم بلاده، ويضحي فيها من أجل الحياة بدلاً من احتضان ثقافة الموت التي يروجها بعض «المتوترين» في ذلك البلد الديموقراطي؟ هنالك من يبذل الغالي والرخيص من أجل الفوز بجنسية بريطانية أو فرنسية أو سويسرية، والتمتع بنعم لاتوجد في بعض البلدان العربية، ونلاحظ كثرة غرق «عشاق الحرية» في المحيط بعد محاولات التسلل إلى أوروبا، أو يتم إلقاء القبض عليهم. فكيف لا يُبالي هؤلاء الذين اكتسبوا الجنسية البريطانية بفقدان الرخاء الذين يعيشونه بدءاً من الطرق الآمنة، والتطبيب والدراسة لهم ولأبنائهم، والأمن، والضمان الاجتماعي، والحق السياسي، وحق التعبير، بل وحق العمل، دونما تفرقة بينهم وبين أهل البلاد الأصليين! في مقابل حالة العوز والتخلف الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، والمرض، والكوارث والآوبئة، التي تنتشر في بلدانهم الأصلية. ثم ماذا لو قامت الحكومة البريطانية بسحب جنسيات هؤلاء وتم تسفيرهم إلى بلدانهم الأصلية، هل ستتكفل «داعش» بتوفير «الفردوس المفقود» لهم؟ وتضمن لهم جميع حقوقهم المدنية، وتؤمن لهم الملجأ النظيف والحليب والأمصال لأطفالهم، والضمان الاجتماعي، والوظيفة.. والأهم الحرية؟ هنالك خلل في تفكير بعض الجماعات التي لا ترى إلا الجانب المظلم من الحياة، وبدلاً من أن تصادق الحق والخير والجمال، وتستمتع بأطياب الحياة و بمساعدة الآخرين في العيش بسلام، نجدها تدعم الظلم والاجتراء على حقوق الأخرين، ونشر الكراهية ورفض الآخر بصورة تخالف قيم العصر الحديث، وتخالف قيم الدين الإسلامي الذي دوماً «يُتًّخذ» مطية لتحقيق أهداف سياسية بعيدة عن العصر. إن هذه الجماعات تُشوهُ الوجه الجميل للعالم، وتساهم في تعضيد القهر والديكتاتورية والعنصرية، بدلاً من تضميد جراح السوريين والعراقيين، والنأي بالنفس عن تلك المناطق التي يتدمر فيها الزرع والضرع، ويموت فيها صوت الإنسان الحر.