«نعم للكرامة»، «شكراً للواء حفتر»، «دم الشهداء أمانة».. شعارات رفعتها مظاهرات الجمعة في طرابلس وبنغازي ومدن ليبية أخرى، للإعراب عن الموقف من عملية «الكرامة» التي يقودها اللواء المتقاعد خليفة حفتر ضد الجماعات المتطرفة في ليبيا. وكانت مدينة بنغازي قد شهدت يوم السادس عشر من مايو الجاري، عملية عسكرية يقودها حفتر، أطلق عليها اسم «كرامة ليبيا»، بداعي محاولة تطهير المدينة من الجماعات الإرهابية التي باتت تحظى بسطوة غير مسبوقة، بسبب تردي الوضع الأمني وضعف قدرات الأجهزة الرسمية للدولة الليبية، لاسيما الأمنية منها. لكن من هو اللواء حفتر؟ وما هي الأطراف التي تدعمه في ليبيا وتلك التي تعارضه؟ وكيف يبدو الأفق المنظور لعملية «الكرامة» بقيادته؟ خليفة حفتر، هو أحد ضباط الجيش الليبي السابق، ينتمي إلى قبيلة الفرجان (إحدى بطون قبيلة ترهونة)، والتي تتواجد في طرابلس وسرت وأجدابيا وبني وليد وزليطن وبنغازي. وفي هذه الأخيرة أبصر خليفة بلقاسم حفتر النور في الأول من يناير 1949، والتحق بالقوات المسلحة الليبية، وكان ضابطاً في العشرين من عمره عندما أطاح العقيد القذافي بالملك إدريس السنوسي في انقلاب عسكري، فخدم في مواقع مختلفة، ثم قاد القوات الليبية في الحرب مع تشاد من أجل السيطرة على شريط «أوزو» الحدودي المتنازع عليه بين الدولتين في ثمانينيات القرن الماضي، قبل أن يقع في أسر القوات التشادية. وقد حقق حفتر بعض الانتصارات المهمة في كفة الجانب الليبي قبل التدخل العسكري الفرنسي لصالح القوات التشادية، والذي قلب ميزان المعركة بشكل دراماتيكي. وقال في مقابلة تلفزيونية مؤخراً، إنه طلب الدعم لقواته من طرابلس لكن القذافي لم يقدم الدعم الذي كانت تحتاجه قواته على الجبهة، مخافة أن يعود حفتر منتصراً ويستولي على مقاليد الحكم في ليبيا. لكنه واصل القتال إلى أن وقع في الأسر، مع 300 جندي وضابط ليبي، في معركة وادي «الدوم» يوم 22 مارس 1987. وأمضى حفتر عدة أشهر داخل معتقل خاص في وسط العاصمة التشادية نجامينا، إلى أن قرر مع بعض الأسرى الآخرين، أواخر عام 1987، الانشقاق على القذافي والانخراط في صفوف «الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا»، التي تأسست قبل ذلك في أكتوبر 1981، بقيادة محمد المقريف، فتم إطلاق سراحهم جميعاً، وأعلنت الجبهة في يونيو 1988 إنشاء «الجيش الوطني الليبي» كذراع عسكري لها بقيادة حفتر. وبلغ عدد الذين انخرطوا في هذا «الجيش» قرابة ألف رجل، بينما رفض بقية الأسرى الليبيين ذلك، وكان منهم العقيد سحبان والرائد شرف الدين، اللذين آثرا البقاء في السجن على أمل أن تحدث مبادلة للسجناء بين طرفي الصراع. وظل أفراد «الجيش الوطني الليبي» في تشاد إلى أن قام وزير الدفاع السابق إدريس ديبي، المدعوم من ليبيا والمنطلق من قواعده في دارفور، بالانقلاب على الرئيس حسين هبري، في ديسمبر 1990، فتقرر ترحيل أعضاء «الجيش الوطني الليبي» بمروحيات أميركية إلى زائير ومنها إلى الولايات المتحدة، ضمن صفقة تسمح لهم بتكوين معارضة هناك. وفي فرجينيا أقام حفتر واستمر معارضاً لنظام القذافي مدة 20 عاماً، ولم يعد إلى ليبيا إلا بعد تفجر ثورة 17 فبراير 2011 ضد نظام القذافي. ففي مارس من ذلك العام عاد حفتر من ربوع ولاية فرجينيا إلى مدينة مولده ومنشئه، عاصمة إقليم برقة، بنغازي الواقعة في الشرق الليبي على ساحل الأبيض المتوسط. ونظراً لخلفيته العسكرية، سرعان ما أصبح أحد القادة الرئيسيين لقوات المعارضة الليبية في الشرق. لكن على خلفية الانتقادات الموجهة لأداء «جيش التحرير الوطني الليبي»، والذي تشكل من متطوعين وشباب لا خبرة لهم بالأعمال العسكرية، فقد تم إسناد قيادة الجيش لوزير الداخلية السابق اللواء عبد الفتاح يونس العبيدي. بيد أن حفتر الذي تمت ترقيته إلى رتبة لواء، احتفظ بموقع مهم داخل وزارة الدفاع في أول حكومة تشكلت عقب سقوط طرابلس في أغسطس 2011، لكنه واجه مضايقات من الفصائل المسلحة الإسلامية التي أطلقت النار ذات مرة على سيارته وأصابت ابنه برفقته، وقيل إنه تعرض لأكثر من محاولة اغتيال. وفي فبراير 2014 عرضت قنوات تلفزيونية تسجيلا مصوراً لخليفة حفتر وهو يرسم خطته لإنقاذ البلاد ودعوة الليبيين للثورة ضد «المؤتمر الوطني العام» والحكومة المنبثقة عنه. ومنذ ذلك الوقت بدأ الرجل يحظى بتأييد متنام من جانب الرأي العام وقطاعي الجيش والأمن في أنحاء البلاد. وفي 16 مايو الجاري أعلن انطلاق «الكرامة»، وهي عملية عسكرية تهدف إلى «تطهير ليبيا من الإرهاب والعصابات والخارجين عن القانون والالتزام بالعملية الديمقراطية ووقف الاغتيالات التي تستهدف الجيش والشرطة»، فقام في بنغازي باستخدام طائرات حربية وقوات برية لتنفيذ هجوم ضد ميليشيا مرتبطة بجماعة «الإخوان المسلمين» وجماعات إسلامية أخرى، يعتقد أنها مسؤولة عن التفجيرات والاغتيالات التي شهدها شرقي ليبيا خلال السنوات الأخيرة. وأعلن اللواء حفتر أن عملية «الكرامة» ليست انقلاباً وأن الجيش لن يمارس الحياة السياسية. كما أعلن تجميد عمل «المؤتمر الوطني العام» الذي لم يعد استمراره شرعياً منذ 7 فبراير 2014، مبقياً على الحكومة كسلطة لتصريف الأعمال. وبدأت العمليات العسكرية التي نتج عنها اشتباك بين «الجيش الوطني الليبي» بقيادة حفتر، مدعوماً بقادة القوات المسلحة الليبية بمختلف أفرعها، في عدة مناطق من ليبيا، بينها المرج وطبرق وطرابلس والزنتان وبنغازي، وبين ميليشيات إسلامية مثل «أنصار الشريعة» و«17 فبراير» و«راف الله السحاتي» ومجموعات أخرى في درنة. كما حدثت احتكاكات بين قوات عسكرية منضمة لعملية «الكرامة» وبين ميليشيات إسلامية في طرابلس، وشنت قوات تابعة للزنتان ومتحالفة مع حفتر هجوماً مسلحاً على مبنى البرلمان في طرابلس. وعلى ما يبدو من تطور الأحداث فإن القوى المؤيدة لحفتر في تزايد مستمر، وهي تشمل ضباط الجيش الليبي السابقين ممن وجدوا أنفسهم متهمين من قبل الثوار بالولاء لنظام القذافي، وقد أضحوا هدفاً للجماعات المتطرفة بحجة كونهم من «الأزلام» وبادعاء خصومة تاريخية معهم منذ أن كانوا في نظام القذافي، علاوة على كتيبة «حسن الجويفي» في برقة، أكبر كتائب الجيش الليبي في الشرق. كما استطاع حفتر التنسيق مع قيادات القبائل الكبرى في منطقة الشرق، مثل العبيدات والبراعصة والعواقير والعرفة، وإقناعهم بالانضمام إلى الحرب على الإرهاب، واعتمد خصوصاً على تضامن المدن التي تشهد تردياً أمنياً خطيراً، وعلى الحراك الفيدرالي في إقليم برقة. محمد ولد المنى