تعدّ مشكلة المخدرات من بين التحديات التي تلقي بظلالها السلبية على المجتمع، ليس لأنها تستهدف شرائح عمرية مبكرة من النشء والشباب وتؤثر في مستقبلهم فقط، وإنما لأنها تنطوي على تكلفة اجتماعية وتنموية باهظة أيضاً، الأمر الذي يجعل من الضروري ألا تقتصر مكافحتها على الجانب الأمني أو العلاجي، بل أصبح من المهم أيضاً التركيز على الجانب التوعوي، باعتباره يمثل الوقاية المبكرة من الوقوع في براثن هذه الآفة المدمرة. وتكمن أهمية التوعية بمخاطر الإدمان والمخدرات في كونها حائط الصد الأول في مواجهة هذه الظاهرة، خصوصاً إذا كانت برامج التوعية تستهدف في الأساس فئتي المراهقين والشباب اللتين تعتبران القوة الرئيسية في عملية الإنتاج والتنمية، حيث تشير الدراسات إلى أن أكثر الفئات العمرية تعرّضاً لأخطار المخدرات هم الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و20 سنة، وأن 67% من مدمني المخدرات تكون بدايتهم مع المواد المخدرة في سن المراهقة، الأمر الذي يؤكد أهمية التركيز على توعية هذه الفئة مبكراً، ثم معالجة الأسباب أو العوامل التي تقف وراء تفكيرهم في تعاطي المخدرات، سواء كانت نفسية أو أسرية. لقد شهدت تجارة المخدرات تطوراً سريعاً خلال السنوات القليلة الماضية، ولم يعد الترويج لها مقتصراً على الوسائل التقليدية، وإنما أصبح يتم من خلال بعض المواقع الإلكترونية التي تتخفى تحت صفة شركات لبيع المواد العشبية الطبية، وتروج للمخدرات الصناعية باعتبارها عشبة تساعد على تحسين المزاج وتنشيط الذاكرة، ناهيك عن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي على «الإنترنت» في نشر هذه الظاهرة بين النشء والشباب، مستغلة في ذلك ما تتسم به هذه الشريحة العمرية من رغبة في التقليد وتجريب كل جديد من دون وعي بمخاطره، ولهذا كله فإن التوعية بالمخدرات، والتحذير من آثارها السلبية في الصحة النفسية والعقلية والعضوية أو تلك المتعلقة بالآثار الاجتماعية، ينطويان على أهمية بالغة، لأن مثل هذه التوعية تمثل رادعاً يمنع الأطفال والنشء من التفكير في الإقدام على تجربة التعاطي، وكذلك في إقناع الذين يتعاطون بالفعل بالتوقف، والانخراط في البرامج العلاجية والتأهيلية. ولهذا فإن التوعية بمخاطر المخدرات ينبغي أن تمزج بين الترهيب والترغيب، عبر إظهار الجوانب الخطيرة والهدامة للمخدرات على الفرد والمجتمع بشكل عام، والترغيب في العلاج لكل من سقط في براثنها، وإعادة الأمل إليه في إمكانية العلاج والانخراط في المجتمع من جديد. وهذا ما تحرص عليه وزارة الداخلية في حملاتها التوعوية المختلفة، التي تستهدف من خلالها زيادة وعي فئات المجتمع المختلفة بأضرار المخدرات والمؤثرات العقلية ومخاطرها، ولاسيما الحملات المتخصصة الموجهة للنشء والشباب، ولكن إذا كانت مؤسسات الدولة وهيئاتها المختلفة تبذل العديد من الجهود في مجال توعية أفراد المجتمع بهذه الظاهرة، فإن نجاح تلك الجهود يعتمد في الأساس على الدور الرقابي والتوعوي والتربوي الذي تمارسه الأسرة في ضبط سلوكيات أبنائها وتقويمهم بشكل مستمر، وفي حال غياب هذا الدور فإن حملات التوعية الأخرى ستكون محدودة القيمة والتأثير، وهذا يتطلب من الأسرة أولاً أن تربي أبناءها على أسس وأخلاقيات سليمة، وثانياً أن تتابع سلوكياتهم واكتشاف أي تغييرات قد تطرأ عليها ترتبط بتعاطي المخدرات، والمسارعة إلى علاجهم وإعادة تأهيلهم كي يعودوا من جديد أفراداً أصحاء إلى المجتمع. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية