أدى إعلان كندا مؤخراً عن أنها قد تحاول توسيع نطاق أراضيها لتشمل القطب الشمالي، إلى إثارة جدل حول من يملك هذه المنطقة القطبية الشمالية التي تبلغ مساحتها ثلاثة أضعاف مساحة الولايات المتحدة. ودعونا ننظر في بعض المفاهيم الخاطئة حول القطب الشمالي، وكيف تتغير مناظره الطبيعية. أولا: إن القطب الشمالي يشبه تماماً القطب الجنوبي. وغالباً ما يشاهد البعض صوراً للقطب الشمالي ويتساءلون: أين البطاريق؟ هل التهمتهم الدببة القطبية؟ وبالطبع، فإن كلا القطبين يتميزان بالبيئة القاسية، مع درجات حرارة شديدة البرودة خلال أشهر الشتاء، وكلاهما يشهد فترات تمتد لأسابيع طويلة من الظلام الدامس أو النهار الدائم. وإلى جانب حقيقة أن الدببة القطبية تعيش في القطب الشمالي والبطاريق تعيش في الجنوب، فإن المنطقتين مختلفتان تماماً في السياسة والناس. فالقطب الجنوبي يقع في قارة ليس بها سكان أصليون، بينما يقع القطب الشمالي في محيط محاط تقريباً بالكامل بالمدن الساحلية- روسيا وكندا والنرويج والدنمارك (عن طريق جرينلاند) والولايات المتحدة (عبر ألاسكا)- مع وجود سكان عاشوا في المنطقة لوقت طويل. كما أن القواعد والقوانين والممارسات التي تحدد المنطقتين مختلفة تماماً. فمثلا يحكم القطب الجنوبي بموجب معاهدة تحدد ما الذي يمكن القيام به هناك (خاصة في مجال البحث العلمي) أو لا يمكن القيام به (مثل تنمية الموارد والمهام العسكرية). كما أن الأنشطة في القطب الشمالي تتبع المعاهدات البحرية والقانون الدولي، بمعنى أن أي شيء يمكن القيام به في أي محيط آخر يمكن القيام به أيضاً في القطب الشمالي. أما القطب الجنوبي فلا يمكن لأي دولة المطالبة به، لكن هذا يمكن حدوثه بالنسبة لقاع المحيط المتجمد الشمالي، بما في ذلك المنطقة المحيطة بالقطب الشمالي. ثانياً: تحاول كل من كندا وروسيا والدنمارك، الاستيلاء على القطب الشمالي. وتشير تقارير إخبارية حديثة إلى أن حكومتي كندا وروسيا تتنافسان للسيطرة على المنطقة، كما كان الحال عندما قسمت أجزاء كبيرة من أفريقيا بين القوى الاستعمارية. لكن جهود كندا وروسيا لتحديد حقوقهما على تربة القطب الشمالي، تأتي في إطار عملية دولية راسخة. فبمقتضى اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1982 لقانون البحار، فإن كلتا الدولتين لهما الحق في موارد المنطقة مثل النفط والغاز والمعادن وكل ما هو موجود بقاع المحيط ويقع على مسافة تزيد على 200 ميل بحري من شواطئهما. كما أن الدول لها الحق في تحديد ما إذا كان لديها جرف قاري ممتد، وهو امتداد طبيعي لليابسة الممتدة تحت الماء. ويتعين عليها القيام بإجراءات قياس شاملة وإعطاء النتائج لهيئة أنشأتها اتفاقية قانون البحار للقيام بالفحص العلمي اللازم. وهذه الجهة التابعة للأمم المتحدة تحدد فقط ما إذا كانت الدراسة المقدمة صحيحة. وبعد ذلك يكون الأمر متروكا للدول المعنية لحل أي تداخلات. وحتى الآن، تسير كل من روسيا وكندا والدنمارك حسب القواعد الموضوعة، وليس هناك من سبب لتوقع نشوب نزاع. ثالثاً: لا يوجد قانون دولي يحكم القطب الشمالي. فالمياه والمناطق المحيطة بالقطب الشمالي تخضع لنفس القوانين الدولية التي تنطبق على سائر المحيطات. وبينما يبدأ الجليد هناك في الذوبان، فإن المياه التي تعلو قاع البحر سوف تظل مياهاً دولية. وإذا تحركت كميات جديدة من الأحياء البحرية إلى المياه داخل وحول القطب الجنوبي، أثناء ارتفاع درجة حرارة البحر، فإن أساطيل الصيد الدولية سوف يكون لديها الحق في ملاحقتها. وبشكل عام، فإنه يُلقي باللوم في انهيار كميات السمك المخصصة للصيد على عاتق ضعف القوانين المعمول بها. وبالتالي، فإن هذه المشكلات يمكن أن تنتقل لمياه القطب الشمالي وتصبح تحديات دولية كبرى. رابعاً: ليس هناك وجود عسكري في القطب الشمالي. فبينما لا يوجد أي تهديد حقيقي بنشوب نزاع حول تقسيم اليابسة (قاع البحر)، فإنه لا تزال هناك أنشطة عسكرية في المنطقة. وبينما يبدأ الجليد في الذوبان، ويصبح المحيط المتجمد الشمالي مثل المحيطات الأخرى، فسوف تبدأ أنشطة بحرية يومية لحماية التجارة البحرية. وهناك سببان لزيادة الأهمية الاستراتيجية للمياه المحيطة بالقطب الشمالي؛ الأول قيام روسيا ببناء غواصات حديثة لحمل الصواريخ النووية. وتوجد القواعد الرئيسية لهذه الغواصات بداخل وحول مورمانسك التي تقع مباشرة في مواجهة القطب الشمالي. وقد تسبب ذلك بالفعل في جعل البحرية الأميركية تتأكد من أن غواصاتها المهاجمة قادرة على العمل في المياه القطبية الشمالية. والسبب الثاني، هو أنه في أي وقت تشعر الولايات المتحدة أنها مهددة من قبل كوريا الشمالية، فإنها ستقوم بتعزيز أنظمتها المضادة للصواريخ الباليستية، ويوجد الموقع الأساسي لهذه الأنظمة في فورت جريلي بألاسكا. خامسا: الشيء الوحيد المتغير في القطب الشمالي هو المناخ. ليس هناك من شك في أن أكثر التغييرات المؤثرة في المنطقة تتعلق بالمناخ. (يعتقد الكثير من الخبراء ان الغطاء الجليدي الدائم سوف يختفي في مطلع عام 2020). لكن في ذات الوقت، فإن القطب الشمالي يتغير طبيعيًا، كما يزداد انكشاف المنطقة. كما أن التطورات في مجال التكنولوجيا البحرية -التي تقودها الدول غير القطبية مثل كوريا الجنوبية- تتيح لكافة أنواع السفن دخول المنطقة، حتى في وجود الجليد. كما أن الاكتشافات المستمرة لحقول النفط والغاز غير المستغلة في المنطقة تشجع على تطوير تكنولوجيات أفضل. وباختصار، فإن منطقة القطب الشمالي تشهد حالة من التطور الهائل. إن جهود كندا وروسيا لتحديد الحدود الخارجية للجرف القاري هي من جملة التحولات التي تحدث في القطب الشمالي. بينما هناك بعض البوادر الواعدة للتعاون الدولي. -------- روب هيوبيرت أستاذ العلوم السياسية في جامعة كالجاري --------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»