يأتي اليوم الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة هذا العام متضمناً معاني ودلالات جديدة. فقد تعاصَر قيام الدولة عام 1971 مع المرحلة الثانية من مرحلتي الدولة الوطنية العربية. فقد ظهرت الدول الوطنية العربية في حقبة ما بين الحربين، وبعد الحرب العالمية الثانية. وكان الهمُّ في مرحلة النشوء تلك تكوين الجماعات الوطنية، والسعي للاستقلال والخروج من نير الاستعمار. إنما في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، بدأت المرحلة الثانية باستيلاء العسكريين العرب على دول عربية أساسية، بهدف إكمال تحقيق الاستقلال الوطني، وتوحيد أقطار الأمة، وتحرير فلسطين، وإحلال العدالة الاجتماعية والتنمية المستقلة. لكن عندما أنجز المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ورفاقه إنشاء دولة الإمارات العربية المتحدة، كان العسكريون العرب قد فشلوا في تحقيق أيٍّ من أهداف انقلاباتهم، وتحولوا بالتدريج إلى مستبدين لا هدف لهم إلا الاستمرار في السلطة، في ظل استعلاء إسرائيل، والالتحاق بأحد معسكرَي الحرب الباردة. لقد أنجز الشيخ زايد وزملاؤه في تلك الظروف غير الملائمة وعلى مدى ثلاثة عقود أربعة أمور: التوحيد والخروج من الانقسام، والدولة الحديثة النامية، والعدالة الاجتماعية والرفاه للناس، والإسهام البناء في حاضر الجزيرة العربية، وحاضر العرب والمسلمين ومستقبلهم. وخلال الجيل الثاني من حياة دولة الإمارات تعاظمت تلك الإنجازات الأربعة، وصارت الدولة دولة مؤسَّسات متطورة، وامتدّ التأثير الإيجابي للتجربة إلى آفاقٍ شاسعة. وتحضر ذكرى إقامة الدولة هذا العام وسط ظروف وعقبات التغيير في العالم العربي. فقد انطلقت في دول العسكريين العرب حركاتٌ تغييريةٌ كبرى تعبيراً عن فشل تجربة الدولة الوطنية العربية في تلك الدول. إنها بمعناها الكبير محاولة شبابية وشعبية لإنقاذ الدولة العربية من ظروف وسياقات التردّي. بيد أنّ تجربة الدولة الوطنية في الإمارات تتحول بل تحولت إلى نموذجٍ لبقية العالم العربي ولعدة جهات: الشعبية الداخلية المنقطعة النظير لتجربة الشيخ زايد وجيله، ولتجربة الجيل الثاني المزدهرة والمستمرة. لقد كانت هناك تجارب عربية للتوحد والتوحيد، وانتهت إلى انفصالات تحت وطأة حكم العسكر، أو أنها تُعاني من مشكلاتٍ هائلة حتى في الدول والكيانات العربية العريقة في مشارق العالم العربي ومغاربه. أمّا في دولة الإمارات فإنّ الوحدة تزداد رسوخاً، والجمهور ملتفٌّ حول القيادة، والمؤسَّسات تزدادُ رسوخاً وشعبية وثقة. والأمر الثالث مع التفاف الناس حول الدولة، ومع ازدهار عقلية وممارسات المؤسَّسات، النموذج التنموي الذي اجترحه الجيلُ الثاني الحاضر لسلطات الدولة ومؤسَّساتها. وسيقول قائل: لكنّ الإمارات دولة غنية بالموارد البترولية. والإجابة: هناك دولٌ عربية وغير عربية غنية بالموارد البترولية وغير البترولية، لكنّ ثلث شعوبها تحت خطّ الفقر، وهي تُعاني من انقساماتٍ أفقيةٍ وعمودية. ولذا فهناك في دولة الإمارات إلى جانب الكفاءة والرؤية الشاسعة، الأمانة للناس وللحاضر والمستقبل. ولذلك؛ فإنّ ذكرى إقامة الدولة هذا العام تملك بالنسبة للجزيرة العربية، وللمنطقة العربية دلالات جديدة: دلالة النموذج الناجح، ودلالة الاستخدام السليم للموارد، ودلالة الرؤية المستقبلية الشاسعة، ودلالة إمكان استتباب الدولة الوطنية العربية استناداً إلى التغيير السلمي المنتظم، والإرادة الشعبية الواعية بالوحدة الوطنية، والتطلُّع القومي المستنير. في هذه الظروف العاصفة في العالم العربي، نتطلع نحن الذين نعرفُ دولة الإمارات وتجربتها الخلاقة بآفاقها الكبرى، إلى النموذج الإماراتي باعتباره الخريطة المنقذة لفكرة الدولة الوطنية العربية ومؤسَّساتها وممارساتها؛ ومنذ زمن المؤسِّسين وإلى الجيل الحاضر. وهو جيلٌ شابٌّ وطامحٌ وذو إحساسٍ عالٍ بالمسؤولية تجاه دولته وأمته حاضراً ومستقبلاً. رحم الله الشيخ زايد، وبارك رفاقه وجيله، ووفق الله رجالاته للاستمرار في قيادة هذا النموذج الزاهر لحاضر العرب ومستقبلهم.