منذ مجيء إدارة بوش إلى الحكم قبل أربع سنوات والعالم العربي أنظمة وشعوباً يدفع ثمناً باهظاً للسياسة الأميركية الأحادية المؤدلجة، والتي تريد أن تغير المعالم السياسية والفكرية للعرب، وتريد بعد 11 سبتمبر 2001 أن تغير من العلاقة وتكسر النمط القديم في دعم الأنظمة التسلطية وتنشر الديمقراطية وتغير الأنظمة عبر مبدأ الحرب الاستباقية والحرب على الإرهاب. العلاقة تراجعت والشك سيطر على معالمها. العرب داخل أميركا وخارجها رحبوا ودعموا بوش ضد آل غور، ظنوا أن بوش وإدارة الجمهوريين ستكون أقل التصاقاً بإسرائيل وأقرب إلى إدارة بوش الأب التي لعبت دوراً مهماً في إسقاط نظام صدام حسين والضغط على حكومة شامير للمشاركة في مؤتمر مدريد والتلويح بوقف ضمانات قرض العشرة مليارات، كما ظنوا أنها ستكون مختلفة عن إدارة كلينتون الذي كانت أكثر موالاة لإسرائيل وتوظيفاً للوزراء والمسؤولين اليهود.
العرب الأميركيون نكاية بجور وترشيحه لمنصب نائب الرئيس السيناتور اليهودي ليبرمان صوتوا لبوش بنسبة تجاوزت الـ45% فيما لم تصل نسبة اليهود الأميركيين الذين صوتوا له الـ19%.
تاريخياً وتقليدياً الإدارات الأميركية الجمهورية أقل محاباة والتصاقاً بإسرائيل من مثيلاتها الديمقراطية، لكن إدارة بوش الابن كانت الخلاف لتلك القاعدة، فشارون السفاح أصبح رجل سلام ولا كلمة مع عرفات. وحق العودة وقرارات مجلس الأمن المرجعية في الصراع العربي-الإسرائيلي نسفت والمستوطنات صارت أمراً واقعاً على الأرض يجب قبوله.
بوش أغضب الكثير من العرب بفريقه من المحافظين الجدد - الأيديولوجيين - الصهاينة المتطرفين الذين اختطفوا السياسة الخارجية الأميركية وشنوا الحروب على الإرهاب والعراق وأفغانستان، وجعلوا العرب والعالم أقل أمناً، وسمحوا للإرهاب والإرهابيين أن يعيثوا فساداً في العالم وأن يسقطوا الحكومات، ويختطفوا الرهائن ويفجروا المباني والقطارات. والتقرير الأخير للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن يؤكد ذلك، كما يؤكد العديد من استطلاعات الرأي حول العالم، أن هناك تفضيلا لكيري على بوش. ولو سمح للعالم أن يصوت لاختار كيري على بوش بأغلبية اثنين إلى واحد... ومنهم حلفاء أميركا.
طبعاً الاستراتيجية والسياسة الأميركية وثوابتها لا تتغير إذا جاء كيري. ولكن مع أن سجل كيري وتصريحاته ومواقفه تختلف كثيراً عن بوش حول الدعم المطلق لإسرائيل وحقها في الدفاع عن نفسها وتفوقها على العرب، ومع أن كيري بدا متناقضاً حول الجدار الذي وصفه بـ"المعيق للسلام" أمام مجموعة من العرب الأميركيين، ثم عاد في يوليو الماضي بعدما ضمن ترشيح الحزب له بوصفه ضرورة لأمن إسرائيل، إلا أننا كعرب سنكون حالمين أو سذجاً إذا اعتقدنا أن كيري الذي يقول إنه سيفعّل عملية السلام ويرسل موفداً خاصاً، سيختلف كثيراً عن بوش في الانحياز لإسرائيل. إلا أن كيري يحظى بترحيب عربي ودولي بسبب سياسته المتعقلة، واعتماده على ما يسميه (Global Test) موافقة الشرعية الدولية والتجمع الدولي ويعطي دوراً للأمم المتحدة. ويبتعد عن التفرد والإفراط في استخدام القوة، ولن يرسل القوات الأميركية إلى حرب إلا كخيار أخير. كيري سيعيد العقلانية للقوة الأميركية ويقصي جماعة المحافظين الجدد التي عاثت بالسياسة الخارجية والعسكرية فساداً. لقد عادى بوش العراقيين والأفغان والإيرانيين والسوريين واللبنانيين والسودانيين، وها هو يتدخل في الشأن اللبناني الداخلي ويحاصر سوريا ويبتز إيران، ويضيق الخناق على مصر والسعودية.
الشيطان الذي يعرفه العرب هو إدارة بوش التي أثبتت عربياً ودولياً أنها معزولة وقادت أميركا إلى أسوأ نظرة عالمية لها، إلى درجة أن شعبية بن لادن وصدام حسين باتت أعلى من شعبية بوش عربياً وإسلامياً. عرب الجاليات في أميركا حائرون ولكنهم مستاءون أيضاً من بوش ولن يصوتوا له، وغير مقتنعين بكيري ولكنهم سيصوتون له. هناك اعتقاد عربي لدى الحكومات والشعوب والجاليات بأن الشيطان الذي لا نعرف عنه الكثير، أي كيري سيكون بأي حال أفضل من بوش. ولكن لن نغرق كثيراً في الآمال والأمنيات حتى لا نصدم.