الأسبرين بين الفوائد والمخاطر
تتعدد وتتنوع استخدامات الأسبرين في المجال الطبي بشكل كبير، بداية من الاستخدامات التقليدية التاريخية، مثل تخفيف الآلام، وعلاج الصداع بأنواعه، وعلاج الحمى العادية، والحمى الروماتيزمية، وبعض الاضطرابات الالتهابية مثل التهاب الغشاء المغلف للقلب، وبعض الالتهابات الناتجة عن اختلالات في جهاز المناعة، مثل الروماتويد الذي يصيب المفاصل، والتهاب الأوعية الدموية متوسطة الحجم.
ورغم أن بعض الأدوية الحديثة قد تفوقت على الأسبرين، بقدر أكبر من الكفاءة والفعالية، وأقل من المضاعفات الجانبية، مثل استخدام الآيبي-بروفين في تخفيف الآلام، دون خطر حدوث نزيف في الجهاز الهضمي كما هو محتمل مع الأسبرين، إلا أن اتساع نطاق استخدام الأسبرين، وخصوصاً في بعض التطبيقات غير التقليدية، تجعل البعض يصفه أحياناً بالدواء المعجزة. هذه التطبيقات والتي توظف على نطاق واسع منذ سنوات، ومن خلال جرعات يومية صغيرة، تشمل خفض احتمالات الوفاة بالذبحة الصدرية، وخفض احتمالات الإصابة بالسكتة الدماغية، في الأشخاص الذين يتعرضون لتضافر بعض عوامل الخطر المؤهلة للإصابة بتلك الحالات الطبية الخطيرة.
ويعتمد هذا الاستخدام على خاصية مميزة للأسبرين، تمكنه من منع تجمع الصفائح الدموية، ووقف تكوين جلطات دموية تسد مجرى شرايين القلب، مسببة الذبحة الصدرية، أو أن تسد مجرى الشرايين المغذية للمخ، مسببة السكتة الدماغية. وهو ما دفع البعض للاقتراح بضم الأسبرين ضمن ما يعرف بالكبسولة المتعددة، وهي فكرة تطالب بجمع الأدوية والعقاقير التي تستخدم في الوقاية من أمراض القلب والشرايين، مثل أدوية الكوليستيرول، وأدوية ارتفاع ضغط الدم، في حبة أو كبسولة واحدة، يتناولها الأشخاص المعرضين للإصابة بهذه النوعية من الأمراض بشكل يومي، بل ذهب البعض إلى التوصية بوصف جرعات صغيرة يومية من الأسبرين للأشخاص الأصحاء، ممن تخطوا سن الخمسين، للوقاية من أمراض القلب والشرايين.
هذه التوصية خضعت مؤخراً لمراجعة دقيقة، ودراسة شاملة، من قبل علماء كلية طب جامعة «وارويك» في بريطانيا، بناء على طلب المعهد القومي للأبحاث الصحية، التابع لنظام الرعاية الصحي الوطني البريطاني. وخلصت هذه المراجعة، والتي نشرت نتائجها بداية الأسبوع الماضي، إلى أن الأصحاء لا يجب أن يتناولوا الأسبرين للحماية من أمراض القلب، أو بعض الأمراض السرطانية التي يعتقد أيضاً أن الأسبرين يوفر الحماية ضدها، نتيجة ما تحمله الجرعة اليومية من الأسبرين -حتى ولو كانت صغيرة الحجم- من خطر إحداث نزيف في المخ أو في الجهاز الهضمي. وينتج هذا الخطر، من الخاصية التي ذكرناها سابقاً للأسبرين، والمتمثلة في قدرته على إعاقة تجمع الصفائح الدموية، والتقليل من لزوجة الدم، مما قد يتسبب في نزيف داخلي. ورغم أن الأسبرين قد يحمل بعض الفائدة للأشخاص الأصحاء، وقد يحقق قدراً ما من الحماية لهم، إلا أن المخاطر التي قد تنتج عنه، تفوق في حجمها الفوائد المرجوة منه، وهو ما ينطبق أيضاً على فكرة استخدام الأسبرين للوقاية من سرطان القولون، والذي يعتبر آخر التطبيقات الطبية المقترحة للجرعة اليومية من الأسبرين، حيث كان علماء المركز الطبي التابع لجامعة «ليدن» بجنوب هولندا، قد اكتشفوا قبل عامين أن تناول جرعة يومية من الأسبرين يقلل بمقدار الثلث من احتمالات وفاة المصابين بسرطان القولون بسبب مرضهم، حسب دراسة نشرت حينها في إحدى الدوريات المتخصصة في مجال الأمراض السرطانية، وتوصل العلماء الهولنديون إلى هذه النتيجة من خلال متابعة 4500 مريض مصابين بسرطان القولون، لمدة عقد كامل، كان نصفهم يتناولون جرعة صغيرة -80 مليجراماً أو أقل- من الأسبرين بشكل يومي قبل وبعد تشخيص مرضهم، للوقاية من أمراض القلب والشرايين، بينما بدأ ربع المرضى بتناول الأسبرين فقط بعد تشخيصهم، ولم يتناول الربع الأخير من المرضى أية جرعات من الأسبرين قبل أو بعد تشخيصهم.
وما اكتشفه أطباء مستشفى الجامعة الهولندية أن تناول الأسبرين لفترة من الزمن، حتى لو كانت قصيرة، يقلل من احتمالات الوفاة بين المصابين بسرطان القولون بنسبة 25 في المئة، وهي النسبة التي ترتفع إلى 30 في المئة إذا ظل المريض يتناول جرعة يومية من الأسبرين لمدة تسعة أشهر على الأقل بعد تشخيص إصابته بسرطان القولون. وإن كان تناول الأسبرين قبل وبعد التشخيص لم يقلل من احتمالات الوفاة إلا بنسبة 12 في المئة فقط، بمعنى أن الفائدة الكبرى كانت تتحقق لمن بدأوا بتناول الأسبرين فقط بعد تشخيصهم. ويفسر العلماء هذه النتيجة الغريبة على أنها ربما تكون بسبب أن من كانوا يتناولون الأسبرين، ثم أصيبوا بسرطان القولون، كان مرضهم من نوع أكثر خبثاً وفتكاً، لا يستجيب بنفس القدر لجرعات الأسبرين.
والخلاصة هي أنه إذا ما كان الشخص لم يصب سابقاً بأحد أنواع أمراض القلب والشرايين، ولا يتعرض حالياً لعوامل الخطر المعروف عنها زيادة احتمالات الإصابة بهذه الأمراض، فلا يوصى له بتناول جرعات يومية من الأسبرين، حتى ولو كانت صغيرة الحجم، وهو ما ينطبق أيضاً على فكرة استخدام الأسبرين للوقاية من سرطان القولون، لما في ذلك من خطر حدوث نزيف في المخ، يفوق في حجمه الفوائد الصحية التي يمكن أن يجنيها هؤلاء.
د. أكمل عبد الحكيم