في مجال الدراسات السكانية يشير معدل الإحلال إلى الحد الأدنى من عدد الأطفال الذي ينبغي أن تنجبه كل امرأة خلال حياتها حتى يظل عدد السكان في المجتمع ثابتاً دون تغيير خلال السنوات والعقود القادمة. وهذا المعدل يتراوح حالياً ما بين 2,1 طفل لكل امرأة في الدول الصناعية، وما بين 2,5 إلى 3,3 طفل لكل امرأة في الدول النامية والفقيرة، بسبب ارتفاع معدل الوفيات في تلك الدول. بمعنى أن كل عشرة أزواج في الدول الصناعية ينبغي أن ينجبوا 21 طفلًا، حتى تتمكن هذه الدول من الحفاظ على عدد سكانها ثابتاً، بينما يجب على نفس العدد من الأزواج في بعض الدول النامية، أن ينجبوا 33 طفلاً للحفاظ على عدد السكان على ما هو عليه حالياً. وبوجه عام، ومن المنظور العالمي، يحتاج الجنس البشري برمته إلى معدل إنجاب يبلغ حوالي 2,3 لكل زوجين، حتى يظل عدد أفراده ثابتاً على ما هو عليه حالياً. ويرتبط هذا المعدل ارتباطاً وثيقاً بمعدل الخصوبة، أو عدد الأطفال الذين ستنجبهم كل امرأة في المجتمع خلال حياتها، إذا ما كان لها أن تظل على قيد الحياة حتى نهاية فترة خصوبتها. ويلعب معدل الخصوبة، وما ينتج عنه من معدل إحلال، دوراً محورياً في الاستشرافات المستقبلية لعدد أفراد الجنس البشري. فعلى سبيل المثال، إذا ما انخفض معدل الخصوبة العالمي بمقدار «نصف طفل» فقط عن التوقعات الحالية فسيبلغ حينها عدد أفراد الجنس البشري بنهاية القرن الحالي مجرد 6,8 مليار إنسان، أما إذا ما ارتفع معدل الخصوبة بمقدار طفل فقط عن التوقعات الحالية، فسيتضخم عدد أفراد الجنس البشري حينها إلى 16,6 مليار إنسان. وهو ما يعني أن فارقاً في معدل الخصوبة بمقدار طفل واحد، سيؤدي إلى فارق يقدر بعشرة مليارات في عدد أفراد الجنس البشري بنهاية القرن الحالي. وغني عن الذكر، أن التوقعات المستقبلية للنمو السكاني، في مجتمع ما، أو دولة ما، تشكل أحد أهم البيانات في التقديرات المستقبلية للاحتياجات من الغذاء ومياه الشرب، ولمقدار استهلاك الطاقة، ومتطلبات الرعاية الصحية، والسكن، وغيرها من الجوانب التي تمثل الأركان الأساسية للمجتمعات الحديثة، بما في ذلك توقعات الأرباح للشركات والمشاريع التجارية. وعلى رغم أهمية تحديد التوقعات المستقبلية للنمو السكاني، إلا أنه لا يوجد اتفاق بين الخبراء والمتخصصين العاملين في هذا المجال، على مقدار حجم هذا النمو خلال العقود القادمة. فعلى سبيل المثال، تقدر الأمم المتحدة أن عدد أفراد الجنس البشري سيزداد من 7,16 مليار حالياً، إلى 11 ملياراً بحلول عام 2100، أي أن عدد البشر سيزداد بنهاية القرن بمقدار 50 في المئة عما هو عليه حالياً. وهذا الرقم على ضخامته، يظهر انخفاضاً في معدل النمو السكاني مقارنة بالعقود الماضية، بالنظر إلى أن عدد أفراد الجنس البشري قد تضاعف 2,8 مرة خلال الستين سنة الماضية، من 2,53 مليار عام 1950، إلى أكثر من 7 مليارات حالياً. وعلى الجانب الآخر، يرى بعض الخبراء الاقتصاديين أن رقم الـ11 ملياراً، الذي تضمنه التقرير الأخير للتوقعات السكانية العالمية المستقبلية (World Population Prospects)، والذي يصدر كل عامين عن قسم السكان التابع لإدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية في منظمة الأمم المتحدة، هو رقم مبالغ فيه. ويبني هؤلاء موقفهم الرافض لتقديرات الأمم المتحدة على عدة حقائق، منها حقيقة أن معدل الخصوبة في العديد من دول العالم، أصبح حالياً أقل من المعدل الأدنى المطلوب للإحلال في تلك الدول. ففي غالبية الدول الأوروبية، واليابان والصين، وحتى في البرازيل، لا يرقى معدل الخصوبة إلى معدل الإحلال الممثل في 2,3 طفل لكل زوجين، للحفاظ على عدد السكان الحالي. بل في الحقيقة، يعاني حالياً نصف المجتمعات البشرية تقريباً، من معدل خصوبة أقل من الحد الأدنى لمعدل الإحلال. وفي الدول الأوروبية على وجه الخصوص، وصلت معدلات الخصوبة إلى مستويات منخفضة جداً، إلى درجة أن مجتمعات هذه الدول ستشهد انكماشاً سكانياً خلال عقود قليلة. ويدعم هؤلاء موقفهم هذا بعدة ملاحظات، منها أن أياً من الدول التي شهدت تراجعاً في معدل الخصوبة، إلى مستويات أقل من معدل الإحلال، لم تنجح أبداً في عكس هذا الاتجاه، وفي رفع معدل الخصوبة إلى أعلى من معدل الإحلال، أو حتى بقدر مساو له. والملاحظة الثانية، تتمحور حول ما يعرف بالانحياز الجنسي أو النوعي (Gender Bias)، بمعنى تفضيل الذكور على الإناث في كثير من المجتمعات -وخصوصاً في الصين والهند- التي تعاني من اختلال واضح في نسبة الذكور مقارنة بنسبة الإناث، بشكل رئيسي نتيجة إجهاض الأجنة الإناث، أو وأدهن لاحقاً. ومثل هذا الانحياز الجنسي، يجعل نسبة الإناث في المجتمع أقل من النصف، وبالتالي يفرض على كل واحدة منهن معدل خصوبة أعلى من المعدلات الطبيعية، حتى تصل مجتمعاتهن إلى معدل الإحلال المطلوب. وأخيراً، هناك ظاهرة التمديُن، أو الانتقال من حياة الريف إلى حياة المدن، وهي ظاهرة تشهد تزايداً مطرداً، إلى درجة أن أكثر من نصف البشر أصبحوا حالياً يقطنون المدن. والملاحظ هو أن حياة المدن، تترافق بمعدلات خصوبة أقل، مقارنة بحياة الريف، إلى درجة أن البعض أصبحوا يصفون التمدين بأنه من أكثر وسائل تحديد النسل فعالية.