حديث التجنيس والهوية الوطنية
أثار مقال لكاتب إماراتي نشر الأسبوع الماضي في صحيفة محلية ناطقة بالإنجليزية جدلاً لم يهدأ خاصة في مواقع التواصل الاجتماعي، ويتحدث المقال عن إعطاء المغتربين الفرصة لكسب المواطنة في دولة الإمارات. ويطرح الكاتب في مقاله فكرة محورية وهي وضع اشتراطات واضحة للحصول على جنسية دولة الإمارات، وأن يتم تجنيس رجال الأعمال والعلماء والأكاديميين والأفراد ذوي المهارات الأخرى، قائلًا إن جزءاً رئيسياً من نجاح أميركا يعود للمهاجرين الذين تجنسوا لاحقاً، مشيراً إلى تخوف بعض الإماراتيين من التجنيس بحجة الخوف من فقدان الهوية الوطنية قائلًا إن الهوية الوطنية لدولة الإمارات أثبتت قدرة على المرونة والتكيف مع البيئات المتغيرة، مختتماً مقاله بـ«إن الوقت قد حان لفتح الباب أمام رجال الأعمال والعلماء والأكاديميين والأفراد الآخرين الذين يعملون بجد لدعم ورعاية لهذا البلد كما لو كان بلدهم».
في الحقيقة لم يأتِ الكاتب بأي طرح جديد فقد سبق وتمت مناقشة هذه الأفكار وغيرها تحت عنوان الخلل في التركيبة والسكانية، وقد شكلت اللجان الحكومية لمناقشة مشكلة الخلل في التركيبة السكانية وتجنيس أبناء المواطنات وصدرت القرارات التنظيمية ووضعت الاشتراطات للحصول على جنسية دولة الإمارات، ولكن الجديد في المقال أنه صادر في صحيفة ناطقة بالإنجليزية، وبالتالي موجه لجمهور غالبيته من الوافدين، وهو ما أثار الجدل والاستياء خاصة في تقزيمه لمشكلة الهوية الوطنية وتغاضيه حتى عن وجود اشتراطات معينة للحصول على الجنسية الإماراتية وضعتها السلطات المعنية، ومغازلة المقال لأهواء القارئ الأجنبي، وهو حديث أعاد للأذهان مطالبة المندوب الهندي في «حوار المنامة» وتحديدا خلال منتدى «العمالة والأمن»، الذي احتضنته البحرين عام 2008، بتجنيس العمالة الهندية ومنحها حقوقاً سياسية وعدم تحديد مدة لبقائها في الخليج باعتبارها عمالة مهاجرة لا عمالة وافدة، مؤكداً أنه يطرح مطالبات رئيس الوزراء الهندي. وقد رفضت دول الخليج المطالب الهندية، باعتبار العمالة الهندية عمالة مؤقتة، «وأن الموافقة على المطالب الهندية تعني السماح بتشكيل خطر على التركيبة الثقافية والسياسية في دول الخليج.. العدد المهول لهذه العمالة يفوق سكان بعض دول الخليج، بالإضافة إلى كون غالبيتهم غير مندمجين مع أهل المنطقة، وما زالوا محتفظين بأفكارهم ولغتهم، وبالتالي لا يمكن اعتبارهم مواطنين نظير وجودهم لسنوات معدودة في بلدان الخليج»، كما صرح وزير العمل البحريني آنذاك.
ومن التبسيط المخل ضرب الأمثلة بمجتمع مهاجرين مثل أميركا كنموذج لاندماج وإدماج المهاجرين ودولة مستقبلة للعمالة والتقليل من خطر ضياع الهوية الوطنية، وأشير هنا إلى تقرير لخبير دولي في حقوق الإنسان، فقد زار مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالأشكال المعاصرة للعنصرية السيد جيتومويجاي دولة الإمارات في الفترة ما بين 4 - 8 أكتوبر 2009 بدعوة من حكومة دولة الإمارات، وقد قال في ختام زيارته للدولة إن «دولة الإمارات العربية المتحدة هي دولة فريدة من نوعها، يشكل غير المواطنين الغالبية العظمى من السكان، بينما المواطنون يمثلون أقلية في بلدهم»، قائلاً: «إن تدفق الأجانب الذي تم بدعم من الحكومة لتلبية المطالب المتنامية بشكل سريع للاقتصاد قد أسهم في بناء البلاد بطريقة إيجابية، إلا أنه قد خلق تحديات هائلة بالنسبة للمجتمع الإماراتي فيما يتعلق بالهوية الوطنية والتكامل الاجتماعي والقدرة على الاستيعاب». وقدم المقرر في تقريره لمجلس حقوق الإنسان عدداً من التوصيات يتعلق أولها بتعريف الهوية الوطنية لدولة الإمارات، مقترحاً فتح قنوات نقاش عام في الدولة حول تعريف الهوية الوطنية يتناقش فيها المواطنون والجاليات الأجنبية المقيمة.
وفي مجتمع الإمارات هناك مخاوف جدية من مشكلة اختلال التركيبة السكانية وانعكاساتها الآنية والمستقبلية، والمصلحة الوطنية تقتضي الحذر والحكمة عند طرح قضايا خلافية تمس الوطن ومس0تقبل الأجيال القادمة، فالحديث عن التجنيس من دون الأخذ بعين الاعتبار الدين الإسلامي والهوية العربية كاشتراطات أولية قبل الحديث عن الاشتراطات الأخرى لا يأخذ بالاعتبار المخاوف من تغيير تركيبة المجتمع الإماراتي بفعل التجنيس، ويتجاهل كافة الحقائق والدراسات التي ناقشت مشاكل التركبية السكانية ووضعت عدداً من المقترحات والمتضمنة التجنيس كحل يخدم المجتمع والمصلحة الوطنية.