الكويت... مشكلات إدارية
في الرابع من رمضان هذا العام 1434-2013، خرج مسؤول كويتي بارز في وزارة الشؤون لتفقد حال العمل في وزارات الدولة. وجاء في الصحف أن ما كشفت عنه جولة السيد وكيل الوزارة "جمال الدوسري"، هو غياب الموظفين، وعدم دوران عجلة العمل، "بحجة الصيام". وقيل إن الوكيل الذي قام بتفقد مفاجئ في إدارة عمل العاصمة "فوجئ بغياب عدد كبير من الموظفين بلا إذن ولا عذر ولا مبرر، الأمر الذي عطل معاملات المراجعين". وكانت "القبس" قد ذكرت قبل يوم من تلك الجولة أن "ثلث الكويتيين فقط يتقيدون بدوامهم"، و"بعضهم يعمل أقل من ساعة". وقالت الصحيفة إن عدد الإجازات المرضية خلال شهر رمضان بموجب إحصائية صادرة عن ديوان الخدمة المدنية لموظفي الجهات الحكومية، زادت عن 96 ألف إجازة مرضية ما بين 7 يوليو و5 أغسطس، بما يقارب 132 ألف يوم عمل وبتكلفة تزيد عن مليونين وستمائة ألف دينار.
وجاءت وزارة الصحة في المقدمة في منح موظفيها "إجازات مرضية"، أكثر من 17 ألف إجازة! ثم وزارة الداخلية، نحو 13 ألفا، فالتربية 11 ألفا، ثم العدل قرابة العشرة آلاف. كما تجاوز عدد الإجازات المرضية للموظفين الذكور عدد الإناث في بعض الوزارات ومنها الأوقاف و الكهرباء والخارجية والدفاع.. ومجلس الأمة.
ولا يمكن من واقع الإجازات المرضية والغياب والتسيب، اعتبار هذه الظاهرة رمضانية بحتة، وإن كانت تزداد في هذا الشهر. فالواقع أن الغياب والتمارض وسلبيات عديدة أخرى، لا تزال طاغية على سير العمل في ما يسمى بالعمل الحكومي أو القطاع العام.
نشرت "القبس" الكويتية في يوليو الحالي تقريراً عن إصلاح القطاع العام في دولة الكويت. وهي دراسة قام بإعدادها كل من "الجمعية الاقتصادية الكويتية"، وهي منظمة غير حكومية مستقلة تأسست في عام 1970، و"المركز المالي الكويتي" وهو يخضع لرقابة هيئة أسواق المال وبنك الكويت المركزي، وكانت الجهة الثالثة المشاركة في إعداد هذه الدراسة د. ستيفان هيرتوغ المحاضر في كلة لندن للاقتصاد، حيث تشمل خبراته الأكاديمية العمل كأستاذ متخصص في دولة الكويت.
وأشارت الدراسة إلى أن الكويت قد حصلت على "درجات متواضعة في المؤشرات الدولية الخاصة بنوعية الإدارة وفعالياتها، حيث يضعها البنك الدولي في أسفل الجدول بين باقي دول مجلس التعاون الخليجي، بالتساوي مع السعودية، التي تتفوق على الكويت بشكل واضح في استقطاب الاستثمار الأجنبي، في ما يخص مؤشر فعالية الحكومة". من جانب آخر ذكرت الدراسة أن الكويت، أيضاً "تأتي في أسوأ مرتبة بين دول المجلس في ما يخص مؤشر الفساد التابع لمنطقة الشفافية الدولية، وفي ترتيب الأمم المتحدة لتصنيف الحكومات الإلكترونية لعام 2013، تتخلف الكويت عن باقي دول مجلس التعاون باستثناء عُمان. وتنتشر في الكويت على نطاق واسع حكايات حول البيروقراطية البطيئة التي لا تستجيب ولا يمكن الاعتماد عليها، خصوصاً من قبل رجال الأعمال الكويتيين والأجانب. فالاستثمارات حساسة من ناحية الوقت في حين أن الإجراءات الحكومية تستغرق وقتاً طويلاً.
ويبين التقرير أن هذه السلبيات كانت واضحة الانعكاس على مجالات وحجم الاستثمارات الأجنبية. فقد جذبت الكويت حوالي ملياري دولار فقط ما بين 2000 - 2011، في حين تمكنت البحرين وهي الأصغر منها والأقل ثراء، حوالى 11 ملياراً، بينما وصل حجم الاستثمارات في دولة الإمارات إلى 83 مليار دولار. وتواجه الكويت صعوبة كبيرة في جلب الشركاء الأجانب، وبخاصة بعد إلغاء عقد "داو كيمكال" في عام 2008، كما أن رأس المال المحلي يفر من البلاد بشكل مطرد إلى أجزاء أخرى من العالم بما فيها دول كالبحرين والإمارات، حيث المستثمرين الكويتيين من بين الأكثر نشاطاً.
وتشمل أسباب تجنب الاستثمار في البلاد ضعف البنى التحتية وحالة عدم الاستقرار السياسي وصراعات الحكومة والبرلمان، وكذلك القوانين والإجراءات القديمة التي عفا عليها الزمن. وتتفوق على الكويت مثلاً في مجال "ممارسة الأعمال" في تصنيف البنك الدولي تونس صاحبة المرتبة 50، بينما تقبع الكويت في المرتبة 82. غير أن الكويت تتفوق على المعدل القائم في الشرق الأوسط في مجال حماية المستثمرين والحصول على الائتمان ودفع الضرائب، بينما تتراجع إلى مراتب أسوأ من باقي جيرانها في دول مجلس التعاون، وحتى من دول أخرى في المنطقة. وتشكل البيروقراطية الكسولة، يقول تقرير الجمعية الاقتصادية، عبئاً على الأعمال التجارية المحلية والدولية.
ومما يفسر هذا الوضع المتردي في الإدارة الحكومية، أن الوظيفة العامة في دولة الكويت تخدم كأداة توزيع للثروة، وذلك من خلال توفير الوظائف الحكومية لمعظم المواطنين. ففي عام 2012 مثلاً، بلغ التعداد السكاني للمواطنين في الكويت حوالي 1.2 مليون وتم توظيف 380 ألفا منهم في القطاع الحكومي والخاص، نحو ثلاثة أرباعهم، 300 ألف في القطاع العام.
ولا توجد في أي مكان خارج دول مجلس التعاون مثل هذه النسبة العالية من العدد الإجمالي للسكان والمواطنين العاملين في القطاع العام. وقد خصصت الدولة أكثر من عشرة مليارات دينار كويتي في ميزانية 2012-2013 للرواتب والبدلات.
وينوه التقرير إلى أهمية الإصلاح الشامل للقطاع العام الكويتي من أجل تحسين الأداء، وأن يتم التركيز على تنظيم التوصيفات الوظيفية وهيكلية الرواتب والبدلات وسياسة التوظيف، والنظر في الحاجات الإدارية الحقيقية بدلاً من السعي الدائم لزيادة عدد الكويتيين الباحثين عن وظائف. ويرى التقرير أن تطوير الأداء المنخفض والمتوسط للبيروقراطية هو التحدي الأصعب في قضية إصلاح القطاع العام.
ومن الاقتراحات، استثمار مدخرات الكويت في الخارج، وافتراض عائد بنسبة 5 في المئة من هذه الأصول، حيث "يمكن أن يمول منحة نقدية مقدارها حوالى 700 دينار لجميع المواطنين الكويتيين البالغين، وستكون الكلفة الإجمالية أقل من نصف ما تنفقه الحكومة حالياً على الأجور، والذي يبقى، بالإضافة إلى ذلك، في تصاعد حاد، ومستمر، ويمكن لهذا النظام أن يكون بديلاً لمخطط "دعم العمالة" الحالي، وربما أيضاً يحل مكان دعم الكهرباء والوقود، ويمكن لهذا النظام أن يدعم نفسه من خلال مساهمته في خفض رواتب القطاع العام".
وتفتقر المؤسسات ذات المهام الاستراتيجية في الكويت إلى قدر كاف من الاستقلالية، على غرار دول أخرى في مجلس التعاون. وفي حقيقة الأمر، غالباً ما يتعرض معظم هذه المؤسسات للضغوط السياسية الدافعة للإفراط في التوظيف على أسس أقل من الكفاءة، وفي بعض الحالات لا تكون هذه المؤسسات مستقلة في مسألة صنع القرار الإداري. فمؤسسة البترول الكويتية، وهي الشركة الأم في مجال النفط، مرتبطة بآليات التوظيف الخاصة بديوان الخدمة المدنية.
وفي حين تجذب مؤسسة البترول الكويتية وشركاتها التابعة أفضل الشابات والشباب الكويتيين وأكثرهم ذكاء، يقول التقرير، إلا أنها لا تُدار بشكل مستقل، ولا تتسم عملية التوظيف فيها بالانتقائية المطلوبة، بعكس القطاع النفطي السعودي مثلاً المملوك للدولة، حيث تُحدد الأجور وقضايا التوظيف فيه بشكل مستقل إلى حد كبير من قبل الإدارة العليا، ويتم التوظيف والتقييم بشكل احترافي للغاية. وهذا ما نراه كذلك في شركتي "أرمكو" و"سابك" السعوديتين، بعكس ما نرى من تسييس وانتقائية في الكويت.
ومن مشاكل الكويت أنها لا تزال تعمل وفق قوانين وضعت خلال فترة الستينات أو السبعينات، ولديها القليل من الهيئات الرقابية المستقلة، وليس لديها منطقة تجارية حرة فاعلة، كما أنها لا تملك إلا بنى تحتية محدودة للصناعة والموانئ. ويضيف التقرير أن معظم الكويتيين على سبيل المثال، معجبون بالخطوط الإماراتية للطيران أو شركة أرامكو السعودية، ولكن قليلاً منهم مدرك الظروف المؤسساتية التي سمحت بهذا الازدهار، أو العوامل التي منعت أبطالاً وطنيين مثل هؤلاء من الظهور في الكويت أيضاً.