مع مرور كل خمس ثوان يصاب شخص ما بفقدان البصر، ومع مرور كل دقيقة يفقد طفل بصره أيضا في مكان ما من العالم. هذه هي الحقيقة الأساسية التي يحاول منظمو يوم البصر العالمي (World Sight Day) إظهارها في الذكرى السنوية للبصر والعمى، والذي يحل ميعاده في الخميس الثاني من شهر أكتوبر كل عام، أو الرابع عشر من شهر أكتوبر في العام الحالي. ولذا بناء على هذه الحقيقة، وفي الوقت الذي سيستغرقك لقراءة هذا المقال –عشر دقائق مثلا- سيزداد عدد فاقدي البصر حول العالم بمقدار 120 شخصا، بينهم عشرة أطفال. وفي الفترة بين كتابة هذا المقال ونشره، سيزداد عدد فاقدي البصر حول العالم عدة آلاف، من بينهم مئات الأطفال. هذا الانتشار المطرد والمتزايد لفقدان البصر وأسبابه، جعل عدد المعاقين بصريا حول العالم حاليا يفوق الـ180 مليون شخص، منهم 40 أو 50 مليوناً مصابون بالعمى التام. هذا الوضع المؤسف يزيده مأساوية حقيقة أخرى، هي أن 80% من هؤلاء الأشخاص، ومن كل من أصيبوا أو سيصابون بالعمى في المستقبل، كان من الممكن إنقاذ بصرهم من خلال الوقاية أو العلاج. هذا الهدف ليس من العسير تحقيقه، حسب المبادرة المشتركة بين منظمة الصحة العالمية والوكالة الدولية للوقاية من العمى، وهي المبادرة المعروفة بـ(VISION 2020: The Right to Sight)، والتي يمكن ترجمة شعارها إلى (بصر 2020: الحق في الرؤية). وتهدف هذه المبادرة إلى إنقاذ ثمانين بالمئة ممن يصابون بمأساة فقدان البصر سنويا بحلول عام 2020، من خلال تشجيع التعاون بين الحكومات والمنظمات الحكومية وغير الحكومية، ومن خلال زيادة الإنفاق على برامج مكافحة العمى على المستويين المحلي والدولي. هذا الاستثمار الدولي في مكافحة العمى، تظهر الدراسات والإحصائيات أنه سيعود على أصحابه أضعافا مضاعفة، حيث تشير التقديرات أن نجاح مبادرة الرؤية سوف يوفر ما يزيد عن 100 مليار دولار بحلول عام 2020، هي قيمة الإنتاجية المفقودة للمصابين بفقدان البصر.
ومن ضمن أسباب فقدان البصر الكثيرة، توجد خمسة أسباب رئيسية تعتبر وحدها المسؤولة عن معظم حالات العمى، وهي الكتراكت (المياه البيضاء)، والتراكوما، ومرض عمى النهر وعمى الأطفال وعيوب النظر وضعف قوة الإبصار. وبخلاف تلك الأسباب الخمسة، توجد أسباب أخرى واسعة الانتشار للإصابة بالعمى، مثل الجلوكوما (المياه الزرقاء) أو ارتفاع ضغط العين ومرض الشبكية الناتج عن داء السكري (Diabetic Retinopathy). وإن كان هذان المرضان الأخيران، لا تنطبق عليهما نفس الشروط التي جعلت من الأسباب الخمسة الأخرى ضمن أهداف الجهود الدولية للوقاية من العمى في مبادرة (VISION 2020). أما بالنسبة للكتراكت أو المياه البيضاء، فهي عبارة عن قتامة تصيب عدسة العين الشفافة، لتحولها إلى جسم شبه معتم أبيض اللون، مما يعيق وصول الضوء إلى الشبكية في خلفية العين، ويفقد المريض قدرته على إبصار ما حوله. وتحتل المياه البيضاء رأس قائمة الأسباب المؤدية لفقدان البصر والممكن تجنبها، حيث تتسبب في عمى ما يزيد عن عشرين مليون شخص حاليا حول العالم. ورغم أن المياه البيضاء كمرض في حد ذاته لا يمكن الوقاية من الإصابة به في أغلب الحالات، إلا أن الجراحة التي يمكن بها استبدال عدسة العين الطبيعية بعدسة اصطناعية متوفرة وسهلة الإجراء إلى حد ما، ويمكنها أن تستعيد البصر إلى حد مقارب للطبيعي لكل من فقد بصره بسبب قتامة عدسة العين. هذه الجراحة من الفعالية والأهمية، لدرجة أصبحت معها المقياس الذي تقاس به مستوى الرعاية الصحية في مجال العيون بين الدول والمناطق المختلفة. فعلى سبيل المثال يجرى سنويا في الولايات المتحدة ما يقارب خمسة آلاف عملية جراحية لاستبدال عدسة العين المصابة بالقتامة، بينما لا يزيد عدد نفس العلميات الذي يجرى في غالبية الدول الأفريقية عن مئتى عملية سنويا. وهو ما جعل من الهدف الرامي إلى زيادة عمليات استبدال عدسة العين من 10 ملايين عملية سنويا حاليا إلى 20 مليون عملية بحلول عام 2010 و30 مليون عملية بحلول عام 2020، أحد أهم الجهود الرامية إلى خفض عدد فاقدي البصر حول العالم.
السبب الثاني في قائمة أسباب فقدان البصر الممكن الوقاية منها ولأكثرها انتشارا، هو مرض التراكوما، والناتج عن الإصابة بنوع محدد من البكتيريا (Chlamydia trachomatis). والتراكوما مرض متوطن في حوالي الخمسين دولة معظمها دول أفريقية، وإن كان المرض يستوطن أيضا بعض دول شرق البحر المتوسط وجنوب شرق آسيا وغرب المحيط الهادي. وتعتبر التراكوما هي المسؤولة عن إصابة قرابة الستة ملايين شخص بالعمى أو ضعف البصر الشديد حاليا. هذا في الوقت الذي تمكن فيه الوقاية من والتحكم في انتشار ميكروب التراكوما بإجراءات بسيطة، مثل مكافحة الذباب الذي ينقل الميكروب من شخص إلى آخر، وتوفير المياه في المناطق الفقيرة حتى يتمكن السكان من رفع مستوى نظافتهم الشخصية عن طريق غسل اليدين والوجه باستمرار، مع تثقيف العامة فيما يتعلق بسبب المرض وطرق انتشاره.
السبب الثالث للإصا