رامسفيلد: "شاعر" عاشق للحروب...ومراوغ
في تراجع ملفت للنظر عن تصريحاته السابقة، سلم وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد بخطأ المعلومات الاستخباراتية الأمريكية حول أسلحة الدمار الشامل العراقية المزعومة، وأقر بعدم وجود أدلة تربط الرئيس العراقي المخلوع بتنظيم القاعدة. وقال: -في كلمة له الاثنين الماضي أمام مجلس العلاقات الخارجية بنيويورك- "ببساطة .. لا أدري عن أسلحة العراق المحظورة، وأنه "بحسب علمي" ليست هناك "أدلة راسخة وقوية" على وجود علاقة بين النظام العراقي السابق وبين أبو مصعب الزرقاوي! وحيث انه من شأن تلك التصريحات أن تقوض جانبا أساسيا من "المبررات" التي استند إليها قرار شن الحرب ضد العراق، فإنها تثير التساؤل مجددا حول الدور الذي لعبه رامسفيلد في الدفع نحو غزو العراق، وحول تاريخه في تقلد المسؤوليات العامة؛ وما إذا كان للمسبقات الأيديولوجية والمواقف الشخصية تأثير على قراراته في مجال حساس وخطير هو الحرب؟!
خاض رامسفيلد في ظل الإدارة الجمهورية الحالية منذ اكتوبر 2001 حربين عسكريتين ربما تجعلان منه أشهر وزير دفاع أميركي منذ روبرت ماكنمارا خلال حرب فيتنام؛ ففي الحرب الأولى أسقط نظام "طالبان" في أفغانستان وقضى على معسكرات القاعدة، وفي الثانية أسقط نظام صدام حسين في العراق واعتقل أغلب قيادات "البعث" وحاول تثبيت السيطرة العسكرية الأميركية في بلاد الرافدين. وكانت تفجيرات 11 سبتمبر الذريعة التي فجرت غضب جناح اليمين المتطرف في الحزب الجمهوري بمن فيهم نائب الرئيس ديك تشيني ودونالد رامسفيلد نفسه ونائبه بول وولفويتز، بيد ان رامسفيلد عرف دائما بميوله إلي إظهار القوة العسكرية الأميركية، وقال عنه هنري كيسنجر وزير الخارجية الأسبق انه "أشرس رجل عرفته في حياتي"، وهو مهندس التحول من النظريات المفرطة في الحذر التي صاغها وزير الدفاع الأسبق كاسبار واينبرغر وأعاد تأكيدها في مطلع تسعينيات القرن الماضي كولين باول عندما كان رئيسا لهيئة الأركان المشتركة، لذلك رفض رامسفيلد في أكتوبر 2001 أثناء الإعداد للحملة العسكرية على أفغانستان، آراء عدد من الضباط كان أعلاهم صوتا الجنرال البحري المتقاعد انطوني زيني، ممن أبدوا اعتراضا مقنعا على إرسال عدد كبير من القوات الخاصة إلى أفغانستان من دون الحصول على معلومات استخباراتية كافية. لكن اتضح لاحقا أن وجهة نظر رامسفيلد كانت عملية وفعالة إلي حد كبير. وبالرغم من الانتقادات التي وجهت إليه خلال الأيام الأولى للحرب على العراق، فسرعان ما انتهت الحرب وسقطت بغداد وانهار نظام صدام قبل الوقت الذي توقعته خطة الغزو! ويعتقد الكثيرون ممن احتكوا برامسفيلد عن كثب أنه "موظف ألمعي ودؤوب وموهوب ويملك خبرة طويلة وطاقة لا تنفد، كما يتمتع بشخصية قوية تتناسب مع موقعه الوزاري"، ويقول عنه الجنرال المتقاعد تومي فرانكس في كتابه "جندي أميركي": "حينما أعلن الرئيس بوش لأمم العالم بأنها إما أن تكون معنا أو ضدنا في الصراع ضد الإرهاب، وافق رامسفيلد على ذلك بدون أي تحفظ ، وكأنه محارب طلائعي من الحرب الباردة، راح يظهر استعداده لدفع أي ثمن لضمان أمن أميركا". ويعتقد محللون نفسيون أن الهجمات اليابانية على قاعدة هير بيرل عام 1941، أحدثت أثرا كبيرا في رامسفيلد الذي كان في التاسعة من عمره حينئذ، ولا زال ميالا إلي استدعائها إلى الأذهان عندما يصف التهديدات التي تتعرض لها الولايات المتحدة. ودونالد رامسفيلد المولود عام 1932 في شيكاغو بولاية ايلينوي هو ابن لضابط بالأسطول الأميركي، وقد حصل على شهادته الجامعية من جامعة برينستون عام 1954، وفي العام ذاته تزوج من جويس التي انجبت له ثلاثة أبناء له منهم خمسة أحفاد، والتحق في العام ذاته أيضا بالبحرية الأميركية كملاح جوي، وفيها فاز بلقب بطل البحرية للمصارعة.
وفي عام 1957 انتقل إلى العاصمة واشنطن حيث عمل مساعدا لأحد أعضاء الكونغرس أثناء إدارة الرئيس دوايت ايزنهاور، ثم انتخب عضوا في مجلس النواب عن ولاية الينوي عام 1962 وهو في الثلاثين من عمره، وأعيد انتخابه ثلاث مرات في أعوام 1964 و1966 و1968، لكنه استقال من الكونغرس عام 1969 لينضم إلى إدارة الرئيس ريتشارد نيكسون حيث عمل مديرا لمكتب المساعدات والفرص الاقتصادية التابع للرئاسة. وفي يناير 1973 عين سفيرا للولايات المتحدة في مقر "الناتو" في بروكسل، إلى أن جرى استدعاؤه للعمل رئيسا لهيئة موظفي البيت الأبيض في عهد الرئيس جيرال فورد الذي خلف نيكسون بعد فضيحة ووترغيت، ثم شغل منصب وزير الدفاع في الفترة بين 1975 و1977 ليصبح أصغر من تولى هذا المنصب وسيكون لا حقا أول من تولاه مرتين في تاريخ الولايات المتحدة، لكنه غادر واشنطن في عام 1977 ليعمل محاضرا في العديد من الجامعات الكبرى قبل أن يدخل عالم المال والتجارة. وإثر ذلك اختاره الرئيس رونالد ريغان مبعوثا خاصا له في الشرق الأوسط بين عامي 1983 و1984 حيث التقى بالرئيس صدام حسين و