الأمن الغذائي العربي
واجهت الاقتصادات الزراعية العربية ضغوطاً داخلية وخارجية، حالت دون توافر مستويات مرضية من الأمن الغذائي، إذ تُبيّن المؤشرات الاقتصادية نقصاً نسبياً للغذاء في معظم البلدان العربية، وفي ضوء ذلك جاءت الفرضية الرئيسية للكتاب الذي نعرضه هنا، حول «السياسات الزراعية وأثرها في الأمن الغذائي في بعض البلدان العربية»، لمؤلفته رقية الجبوري، بهدف معرفة حجم ذلك الأثر في العجز الغذائي العربي، من خلال شرح السياسات الزراعية العربية وتحليلها، وتحديد العوامل المؤثرة في اقتصاديات الأمن الغذائي العربي، لاسيما أن بعض البلدان العربية تبنت برامج صادرة عن المؤسسات الاقتصادية الدولية.
وتتأتى أهمية هذا الموضوع من ارتفاع أسعار الغذاء في معظم البلدان العربية، ما ولّد اضطرابات أمنية وسياسية في بعضها أدت إلى تغيرات في نظم الحكم.
وفيما يخص الأمن الغذائي، كما عرّفته قمة الغذاء العالمية في عام 1974، فهو «توافر التجهيزات الغذائية من المواد الغذائية الأساسية في جميع الأوقات لتحمل التوسع في الاستهلاك، ولمعادلة التقلبات في الإنتاج والأسعار». إلا أن المؤلفة تقترح مفهوماً للأمن الغذائي أكثر شمولاً ومرونة، وهو أن تنتج الدولة أكبر قدر ممكن مما تحتاجه من الغذاء، بطريقة اقتصادية تراعي ميزتها النسبية في إنتاج السلع الغذائية التي تحتاجها، وفي حدود ما تملكه من موارد ومقومات، وأن توفر للأفراد ما يكفيهم من الغذاء بالكم والنوع اللازمين للنشاط والصحة. أما فيما يخص السياسة الزراعية فهي مجموعة الإجراءات الاقتصادية والفنية والإدارية التي تحدد توزيع الموارد المتاحة وتؤثر فيها، فضلاً عن تهيئة المناخ المناسب الذي يمكّن المنتجين والمستثمرين من توجيه الموارد باتجاه الاستخدام الأمثل.
لقد تأثرت السياسات الزراعية العربية بالظروف والمتغيرات المحلية والعالمية التي سادت خلال عقد التسعينيات من القرن الماضي وما بعدها، والتي أفرزت دوافع للتحول من نمط الاقتصاد المعتمد على تدخل الدولة إلى انتهاج سياسات وبرامج الإصلاح الاقتصادي والتكيف الهيكلي، خاصة فيما يخص تحرير أسعار المدخلات والمنتجات من السلع الزراعية، وتحرير الاستيراد والتصدير، وإعطاء دور أكبر لقوى السوق. ولا شك أن من شأن هذه المتغيرات جميعاً أن تحدث آثاراً وانعكاسات في الإنتاج الزراعي من ناحية، وفي أسواق المنتجات الزراعية وأوضاع سكان الريف وحركاتهم من ناحية أخرى. وتتحدد طبيعة هذه الآثار من خلال نتائج تفاعل تلك المتغيرات مع مختلف السياسات الاقتصادية، ما يضفي على هذه الآثار صفة الشمولية من حيث العوامل والأسباب والمتغيرات المسببة لها والمؤدية إليها.
وكما تؤكد المؤلفة، فإن البلدان العربية من أكثر مناطق العالم عجزاً في الإمدادات الغذائية، وتظهر مؤشرات أوضاع الغذاء في أكثرها، لاسيما المؤشرات المرتبطة بإنتاج الغذاء ونسب الاكتفاء الذاتي، ذلك الاعتماد الكبير على الاستيراد لتوفير متطلبات الغذاء، فضلاً عن ارتفاع مؤشر مخاطر الأمن الغذائي. هذا بالتزامن مع ارتفاعات مفاجئة في الأسعار العالمية والمحلية للغذاء منذ مطلع الألفية الثالثة. وإلى ذلك تلاحظ المؤلفة أن نمط السياسات التحكمية التي اعتمدتها بعض البلدان العربية أدى إلى تشوهات في العلاقات النسبية السعرية، ومن ثم إلى انحراف استخدام الموارد خارج فرضية تكاليفها البديلة، ما أحدث تبايناً في العلاقات النسبية السعرية للموارد مقارنة بنظيرتها العالمية، الأمر الذي أثر سلباً في الأمن الغذائي العربي.
ولعل الآثار الإيجابية التي تظهرها نتائج المتغيرات في دالة الأمن الغذائي للبلدان غير المنضمة إلى منظمة التجارة العالمية، تقول المؤلفة، والتي تسهم في تخفيض الآثار غير المرغوبة الناتجة عن اتساع الفجوة الغذائية على المدى القصير، تحمل معها تبعات ومخاطر تتبدى آثارها الواضحة، من خلال تزايد حجم المديونية الخارجية وأعباء خدمتها المتزايدة على المدى الطويل. وتعتقد المؤلفة أن الاندماج حديث العهد نسبياً لبعض البلدان العربية مع اقتصادات تتسم سياساتها بقدر أكبر من ليبرالية السوق وحرية التجارة والانفتاح، كان أحد أسباب الاستجابة المتواضعة لبعض متغيراتها الاقتصادية تجاه المتغيرات السعرية في الأسواق العالمية. ثم إن الانخفاض النسبي لدرجة تأثر دالة الأمن الغذائي للبلدان غير المنضمة، قد يعود سببه إلى أن السياسات التي تبنتها تلك البلدان قيّدت من مدى تأثرها بالتغيرات التي انتابت البيئة الاقتصادية الدولية.
وأخيراً تكرر المؤلفة تأكيدها على أن تقليل الآثار السلبية، الاقتصادية والاجتماعية، لعمل آليات السوق، يتطلب أن تعمل أنماط التدخل لرسم السياسات الزراعية على تحقيق التوازن في اتجاهين: أولهما استخدام الموارد بالقدر الذي يخدم السياسات الزراعية ذاتها، وثانيهما الإبقاء على قدر من الحوافز الكافية لتعظيم الناتج الزراعي في المدى القصير.
محمد ولد المنى
الكتاب: السياسات الزراعية وأثرها في الأمن الغذائي في بعض البلدان العربية
المؤلفة: د. رقية خلف حمد الجبوري
الناشر: مركز دراسات الوحدة العربية
تاريخ النشر: 2012