جاء إعلان جهاز أبوظبي للرقابة الغذائية بداية هذا الأسبوع، عن إصداره دليلاً حول التسمم الغذائي، بهدف توعية المستهلك بالعوامل المسببة لهذا التسمم، وطرق الوقاية منه، والخسائر الاقتصادية التي يسببها، والمتمثلة في تكاليف العلاج، إلى جانب الأمراض المزمنة، أو الخطيرة التي قد تؤدي إلى الوفاة في بعض الحالات، ليضع قضية التسمم الغذائي في دائرة الضوء مرة أخرى، كإحدى أهم قضايا الصحة العامة في العصر الحديث. ويأتي إصدار هذا الدليل في أعقاب مسح كانت قد أجرته هيئة الصحة بأبوظبي في نوفمبر الماضي، وأظهر ارتفاعاً ملحوظاً في عدد حالات التسمم الغذائي خلال العامين الماضيين. ففي الأشهر الستة الأولى من 2012، تم الإبلاغ عن 627 حالة، مقارنة بـ420 خلال نفس الفترة من عام 2011، و288 حالة فقط عام 2010. والغريب أن عدد الحالات -627 حالة- في الأشهر الستة الأولى فقط من 2012، يزيد على مجمل الحالات طوال عام 2010 التي بلغت561 حالة فقط، ويقارب مجمل الحالات طوال عام 2011 التي بلغت 667 حالة. وعلى رغم أن مصطلح التسمم الغذائي هو التعبير الأكثر شيوعاً واستخداماً من قبل العامة ووسائل الإعلام، إلا أن المصطلح الطبي الأكثر دقة هو الأمراض المنقولة بالغذاء (Foodborne Diseases)، والذي يتضمن أيضاً، بخلاف حالات التسمم الحادة، بعض التبعات الصحية المزمنة الناتجة عن تلوث الغذاء. وبوجه عام تقسم الأمراض المنقولة بالغذاء إلى قسمين رئيسيين؛ قسم ينتج عن وجود ميكروب في الغذاء، وقسم آخر ينتج بسبب وجود سموم في الغذاء، سواء كانت هذه السموم صناعية، أم طبيعية، أم ناتجة عن جراثيم وميكروبات. وهو ما يعني أن النوع الأول هو عدوى تقليدية، تتم عن طريق تناول غذاء ملوث بالميكروب، أو الفيروس، أو الطفيلي، تغزو على إثرها هذه الجراثيم الجسم عن طريق الجهاز الهضمي، لتسبب حزمة متنوعة من الأمراض المختلفة. أما القسم أو النوع الثاني، فهو ببساطة نوع من التسمم الكيميائي، تظهر فيه الأعراض والعلامات بسبب دخول كمية من السم إلى الجسم، فتسبب اضطراب لأعضائه وأجهزته الحيوية. وهذا السم، إما أن يكون مادة كيميائية لوثت الغذاء بشكل مباشر، أو أن يكون ناتجاً عن ميكروبات وجراثيم كانت تعيش على الغذاء الفاسد، ثم أنتجت سموماً كجزء من مخلفات العمليات الحيوية الداخلية. ولا يمكن بأي حال من الأحوال في العصر الحالي، تجاهل البعد الدولي الذي أصبح يترافق مع الأمراض المنقولة بالغذاء. فالعديد من حالات التسمم أو الأوبئة الضيقة، التي كانت قديماً تقتصر على مجتمعات صغيرة أو مناطق جغرافية محدودة، يمكنها حالياً أن تأخذ بعداً دولياً عالمياً بكل سهولة. وهو ما حدا بأجهزة الرقابة الغذائية في جميع أنحاء العالم، إلى التسليم بأن ضمان السلامة الغذائية لا ينبغي أن يعتمد فقط على الإجراءات والتدابير الوطنية والمحلية، بل يجب أن يتحقق أيضاً من خلال شراكة فاعلة بين أجهزة الرقابة الغذائية في الدول المختلفة، يتم من خلالها تبادل المعلومات الروتينية عن قضايا السلامة الغذائية، والحصول على الدعم والبيانات المرتبطة بحالات الطوارئ والأوبئة المحدودة. ومن الصعب تحديد رقم إجمالي لحالات الأمراض المنقولة بالغذاء على المستوى الدولي، وإن كانت التقديرات تشير إلى أن عام 2000 وحده، شهد وفاة 2,1 مليون شخص بسبب أمراض الإسهال، وهو الرقم الذي يمكن إسقاطه على الأعوام الأخرى. وهو ما يجعل طائفة أمراض الإسهال بجميع أنواعها، تحتل المرتبة الرابعة على قائمة أسباب الوفيات بين أفراد الجنس البشري، وخصوصاً بين الأطفال دون عمر الخامسة، حيث تحتل المرتبة الثانية في قائمة أسباب الوفيات الخاصة بهذه الطائفة العمرية. ويقدر أن أمراض الإسهال تصيب 1,7 مليار شخص سنوياً، وتقتل 760 ألف طفل. وبخلاف الوفيات، تتسبب أمراض الإسهال في سوء التغذية بين الأطفال، وهو ما يؤثر على نموهم الجسدي والعقلي خلال حياتهم، ليجعلهم أشخاصاً ضعفاء صحياً وبدنياً، وقاصرين معاقين ذهنياً بقية العمر، ما يخفض من إنتاجيتهم ومن مساهماتهم الاقتصادية في مجتمعاتهم خلال مراحل حياتهم المختلفة. ولا يمكن الحديث عن الأمراض المنقولة بالغذاء، دون ذكر الأمراض المنقولة بالماء (Waterborne Diseases)، وهي الطائفة من الأمراض التي تنتج عن العدوى بجراثيم مرضية، تنتقل إلى جسم الشخص بشكل مباشر عند استهلاكه لمياه ملوثة. وهذه الجراثيم، إما أن تكون بكتيريا كما هو الحال مع مرضي الكوليرا والدوسنتاريا، أو أن تكون فيروسات كما هو الحال مع مرض التهاب الكبد الفيروسي (أ) أو شلل الأطفال، ويمكن أيضاً أن تكون نتيجة طفيليات مثل الأميبيا، أو ديدان مثل البلهارسيا والإسكارس، وغيرها كثير. وفي ظل تراجع حصة كل فرد من أفراد الجنس البشري من المياه الصالحة للشرب عاماً بعد عام، وزيادة الاعتماد على المياه الملوثة، يتوقع أيضاً لمعدلات الإصابة بهذه النوعية من الأمراض أن تزداد هي الأخرى.