«معلمة زايد» إنجاز رائد
طوى معرض أبوظبي للكتاب في دورته الثالثة والعشرين بالأمس صفحة أنشطته، بعد ستة أيام حفلت بفعاليات مختلفة، أبرزها حفل تكريم الفائزين في الدورة السابعة لجائزة الشيخ زايد للكتاب. واللافت للنظر أن المعرض هذا العام شهد حضوراً شبابياً مكثفاً ليس فقط كمرتادين باحثين عن جديد إصدارات الكتب، وإنما أيضاً كمشاركين في الفعاليات الثقافية، والملتقيات والندوات الحوارية، وحفلات توقيع الكتب.
ولعل أبرز إنجازات المعرض لهذا العام، هو إطلاق موسوعة «معلمة زايد للقواعد الفقهية والأصولية» هذا المشروع الحضاري الذي أبصر النور بعد جهود استغرقت ما يزيد على 15 عاماً، بمشاركة نخبة من الفقهاء والمرجعيات الدينية العلمية في العالم الإسلامي، وأشرفت على إنجازها مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية.
إن معلمة زايد مشروع ضخم، وإنجاز علمي كبير في مجال مد الجسور بين المجتهدين من الفقهاء والمفتين، وتستحق المعلمة التوقف عندها والاطلاع عليها للنهل من العلوم التي تضمنتها.
وطُبعت المعلمة في 41 مجلداً تضم بين دفتيها آلاف القواعد الفقهية وعلى المذاهب الثمانية الموجودة في منطقة الخليج العربي، وهي مذاهب أهل السنة الأربعة المعروفة، و"مذاهب الإثنا عشرية والجعفرية والإباضي والظاهري"، لتكون دليلاً علمياً للعلماء ينهلون منها أدلتهم الفقهية المعتمدة على إجماع العلماء الأجلاء والباحثين المجدين.
إن معلمة زايد هي إنجاز باسم فقيد الوطن الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، لخدمة الباحثين وطلاب العلم والعاملين في مجالات التشريع والفقه والأصول الشرعية، وتتضمن في الإجمال ما يزيد على الألفين من القواعد الفقهية والمقاصدية.
إن هذا المشروع يأتي في وقت ازدادت فيه حدة الاستقطابات المذهبية على خلفيات سياسية، وتجتاح الأمة الإسلامية النعرات المذهبية العصبية، وهو بمثابة دليل وإرشاد لأتباع الدين الإسلامي الحنيف أن المذاهب تتفق في الأصول والقواعد الكلية المجمع عليها، وهي أشمل وأوسع بكثير من الاختلافات التي دخلت فيها الاجتهادات والآراء.
وإنجاز هذا المشروع الكبير ثمرة جهود القائمين على مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية، الذين نحسبهم قد أخلصوا النية لإنجاز هذا العمل القيم، فمنهم من أشرف عليه ووضع لبناته الأساسية ومضى إلى ربه قبل أن يرى ثمرة إنجازه.
إن معلمة زايد مرجع فقهي أصولي من شأنه أن يعمل على تقليل الخلافات وتقريب وجهات النظر، مع إتاحة المجال أمام الاجتهاد في الفروع دون اختلاف في الأصول.
ونأمل من الله أن يوفق مؤسسة زايد لنشر هذه الموسوعة في العالم الإسلامي، وأن تتخذها الجامعات والمؤسسات العلمية والبحثية والمجمعات الفقهية والمكتبات مرجعاً رئيسياً في كل ما يتعلق بالقواعد الفقهية وأصول وضوابط التشريع الديني، وخدمة العلماء وتوثيق الآراء حول القواعد الأساسية، لتكون منارة هداية وإشعاع للجميع، وصدقة جارية يصل ثوابها للمغفور له بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله.