دعم التحول في ليبيا
خلال الخمسة عشر شهراً التي أعقبت نهاية تدخل "الناتو" في ليبيا، ما زال يتعين تأمين المكاسب التي تحققت بجهد جهيد خلال الحرب، وربما تبدو الأمور اليوم متجهة نحو اتجاه مثير للقلق. ولذلك، فقد حان الوقت للعودة حتى لا تنحرف عملية التحول في ليبيا ما بعد الحرب عن سكتها.
واليوم، وفي وقت احتفل فيه الليبيون أول من أمس بالذكرى الثانية لبداية الثورة التي أفضت إلى خلع القذافي عن السلطة، تبدو الظروف الأمنية في ليبيا صعبة، وما انفكت تزداد صعوبة. فهناك أعمال عنف في الجنوب حيث تخوض بلدات كبيرة صراعاً مع بعضها بعضاً من أجل الثأر لأعمال سابقة، كما بدأ متطرفون يوجدون بشكل ملحوظ في منطقة برقة الواقعة شرق البلاد، وأخذت الجريمة تتفشى، والشارع في مرحلة ما بعد الثورة أضحى مسلحاً وعصياً على السيطرة.
وعلاوة على ذلك، فإن الحكومة المنتخَبة تعاني من محدودية التنظيم ولا تملك قوات أمن تستطيع الاعتماد عليها لمعالجة هذه المشاكل. وبينما تكابد في محاولات إنجاز مهام بناء الدولة، أخذ الوقت ينفد، حيث أخذ المتطرفون الإسلاميون، الذين لا يمثلون أغلبية السكان، يستغلون الوضع محاولين زيادة قوتهم في الشرق. ولأن العنف والجريمة يمكنهما الانتشار بسرعة، فإن الاستقرار يمكن أن يتآكل والمكاسب التي تحققت في تدخل عام 2011 قد تتراجع.
وبالطبع، فإن آخر شيء تحتاجه ليبيا هو احتلال من قبل قوى أجنبية على النموذج العراقي. والحال أن ذلك غير ضروري ولن يأتي إلا بنتائج عكسية، ناهيك عن كونه غير واقعي بالنظر إلى المزاج الحالي في واشنطن وعواصم دول "الناتو". وفي المقابل، فإن إرسال بعثة تدريب صغيرة من أجل مساعدة الحكومة الليبية على بناء قوات يمكنها التعويل عليها، وخاضعة لزعامة البلاد المنتخَبة، من شأنه أن يساهم كثيراً في مساعدة الدولة الليبية على السيطرة على أراضيها. كما أن من شأنه أن يُظهر استمرار الالتزام الغربي ويساعد على زيادة التأثير الأميركي عند الحكومة الليبية، الذي هو اليوم عند مستوى الصفر تقريباً.
ويمكن لبعثة تدريبية أن تبدأ على نطاق صغير نسبياً. غير أن وطأة القدم ينبغي أن تكون علنية ومؤثرة بما يكفي حتى تكون ذات معنى بالنسبة للحكومة الليبية وتستطيع حماية نفسها من أي تهديدات. وعلى نحو مثالي، يمكن أن تكون هذه مهمة لـ"الناتو"، بالنظر إلى الدور الذي لعبه الحلف في تحرير ليبيا من القذافي. كما يمكن أن تكون أيضاً مهمة أميركية إذا ما افتقر "الناتو" إلى الرغبة في المشاركة.
وفي هذه الأثناء، يعتزم الاتحاد الأوروبي إرسال مدربين إلى ليبيا هذا الصيف من أجل دعم جهود تأمين حدود البلاد. ومن جانبها، يجدر بالولايات المتحدة أن تركز على تدريب قوات شرطة وجيش فعالين للحكومة المركزية. على أن يكون الهدف هو تأسيس قوة ذات هيبة وخاضعة لسيطرة الحكومة. كما ينبغي أن تكون الأجور والمعدات أحسن مما هو موجود حالياً في الكتائب. على أن يتم قبول الأفراد فقط -وليس مجموعات بأكملها- للالتحاق بهذه القوة.
والواقع أنه كثيراً ما يسمع المرء أن الليبيين لن يطيقوا وجود قوات أجنبية في بلدهم. غير أنني شخصياً وجدتُ العكس في طرابلس. ذلك أنه إذا كان الليبيون لديهم شعور بالعزة والإباء ولديهم بالفعل ارتياب بشأن نوايا الأجانب في بلدهم، فإن همهم الرئيس أيضاً هو عدم تكرار التجربة العراقية.
أما الحجة الأخرى التي تستعمل للطعن في الفكرة القائلة بضرورة مساعدة ليبيا، فهي أن البلد غني وينبغي أن يدفع تكلفة الطريق بنفسه. وهذا صحيح بشكل عام. فليبيا ينبغي أن تقوم بتمويل إعادة إعمارها. ولكن السماح للتكلفة المالية بإعاقة الجهود الرامية إلى إرساء الاستقرار في البلاد الآن سيمثل "حذراً مع المبالغ المالية الصغيرة واستهتاراً بالمبالغ الكبيرة". فالحكومة الليبية الحالية منشغلة بأمور أخرى حتى تقوم بتعويض "الناتو" عن تكلفة مثل هذه المهمة في الوقت الراهن. وإذا تدهور الوضع الأمني في ليبيا أكثر، فإن الثمن سيكون مرتفعاً جداً بالنسبة للجميع.
إن المؤتمر الذي عقد في الثاني عشر من فبراير في باريس كان يهدف إلى إعادة توجيه مقاربة وطأة القدم الخفيفة التي تبنتها الولايات المتحدة وحلفاؤها بعد الحرب. وقد أعادت فرنسا التأكيد على نيتها دعم إرسال خبراء أوروبيين من أجل مساعدة ليبيا على السيطرة على وضعها الأمني. غير أن تاريخ وصول تلك المساعدة ما زال غير أكيد؛ ثم إنها إذا كانت محل ترحيب، فإنها من غير المرجح أن تكون كافية.
وخلاصة القول إن مقاربة وطأة القدم الخفيفة تبدو معقولة ومنطقية وما زال بإمكانها أن تنجح في تقديرنا. غير أن ما هو موجود الآن، وخاصة في أعقاب الهجوم الذي استهدف القنصلية الأميركية في بنغازي، يبدو أشبه بمقاربة "صفر قدم". ولذلك، فقد آن الأوان لكي تتزعم الولايات المتحدة تنظيم وتنسيق جهود إعادة انخراط محدودة لتأمين مستقبل ليبيا.
-------
كريستوفر تشيفيس
كاتب ومحلل سياسي بمؤسسة «راند» للبحوث والدراسات
-------
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»