المراهنات مثل لعبة القمار، قد تكسب وقد تخسر كل ما كسبته... فهذه لعبة القمار. والمراهنة السياسية ليست ببعيدة عن لعبة القمار لأن السلطة لها قوتها النفسية وامتيازاتها، خصوصاً في الدول غير المنضبطة سياسياً ورقابياً، حيث تراهن السلطة على الكسب في نهاية المطاف، وهذا ما يجعل بشار الأسد يراهن على معركته الحالية. طبعاً نحن من خارج السلطة ننظر إلى كل ما حولنا بعين مختلفة؛ فنقول لأنفسنا: لماذا لا يتعلمون، فهذا القذافي كان يخرج علينا قائلا بأنه يلاحق الثوار وسيسحقهم، وهو الذي عرف بعنفوان سلطته وجبروتها، سلطة غير إنسانية بكل المقاييس، إلا أنه جاء اليوم الذي ينتهي فيه القذافي وهو يُضرب بالأحذية ويتسلى الثوار بضربه والبصق عليه وهو يترجى متوسلا الرحمة منهم! في تلك اللحظة فقط عاد إليه الحس بالواقع، لكن بعد فوات الأوان. وربما كان "مبارك" أكثر واقعية حيث شعر بضرورة الرحيل لكن بعد فوات الأوان، وسبقه بن علي الذي نجا بجلده... وبالطبع فإن التاريخ مليء بمثل هذه القصص وقليل جداً من الزعماء من يتعلم من التاريخ. دار حوارنا بصالون ثقافي في باريس جمع مفكرين عرباً وفرنسيين مهتمين بالقضايا العربية، فقلت لهم إني لست من المؤمنين بالمؤامرة لأن كل تاريخنا فسرناه بفعل قوة المؤامرة، لكوننا نستحلي الهروب من الواقع ومن مواجهة الذات. تفسير المؤامرة يزيح عنا أثقالا نفسيةً ويمنحنا راحةً مؤقتةً، فنحن نمارس الهروب إما إلى الماضي أو الرحيل إلى عالم الخيال، فهذه علة ثقافية رسمت شخصيتنا العربية وبالتالي نحن قلّما نمارس نقد الذات من جانب، ومن جانب آخر فإن لعبة الهروب من المواجهة تدفعنا نحو التخلي عن المسؤولية الجماعية حيال دورنا في بناء مجتمعاتنا. كنت من أنصار التغير كعملية حتمية قد تطول أو تقصر، إلا أن حركة التاريخ محكومة بقوانين، وهذا ما لا نفهمه في كثير من الأحيان. وأعتقد بأن هجمة سبتمبر هي معبرنا لفهم الأحداث. ويبدو لي أن قرارات اتخذت لوضع تصورات في كيفية التعامل مع تداعيات سبتمبر، وما يدفعني نحو ذلك أنه دائماً ما تؤخذ على أميركا مناصرتها للدكتاتوريات، لكن يبدو أن هذه المعادلة تغيرت عند الأميركيين؛ فوزيرة خارجيتهم هيلاري ذهبت إلى ميدان التحرير، وتخلّت الإدارة الأميركية عن حليفها "مبارك"، فالنهج أصبح مختلفاً، وهذا ما يشكل توجهات جديدة في السياسة الأميركية. وهناك دول لم تدخلها رياح "الربيع العربي"، لكنها تسارع لإرضاء شارعها بوسائل مختلفة، وهي تعتقد أن ذلك يحل كل التحديات، لكنها في الواقع تؤجل ولا تحل، وهذا ما يصعِّب على بقية الزعماء العرب فهم طبيعة المتغيرات، سواء المحلية أو العالمية. ومن ثم نرى أن الوضع العربي الجديد لن ينحصر في دول معينة وإنما سيزحف ولو بعد حين إلى دول أخرى، لأن "حبات السبحة" انفرطت وكل محاولات الترقيع لن تجدي. الحالة الخليجية حالة فريدة من حيث صيغة التراضي بين الشعوب والحكام، وهي فرصة كبيرة تمنح مجتمعاتنا مزيداً من القوة لو حاولت دولنا تلمس الثغرات ومعالجتها بحكمة؛ فاليوم غير الأمس، وكل شيء يتغير، لكن دعونا نستبق الآخرين من خلال مبادرات عقلانية تحقق التوازن في المجتمع.