على رغم أن مصطلحي "الموضوعية" و"المصداقية" يكررهما كثيراً القائمون بالاتصال في مختلف وسائل الإعلام، بالإضافة إلى أن كثيراً منهم يتشدق بكونه هو شخصياً أو الوسيلة الإعلامية التي يعمل بها يلتزم بهاتين القيمتين، إلا أن الواقع يؤكد إن إعلامنا العربي يشوبه الكثير من الممارسات التي تخل بالموضوعية والمصداقية. والموضوعية هي نقل الأحداث بحيادية وتجرد وبصورة متوازنة، وإعطاء كل الأطراف المعنية بالقضية مساحة لإبداء الرأي حتى يتسنى للقارئ الحصول على كل المعلومات المتعلقة بها، وعدم إقحام الصحفي لرأيه الشخصي في المادة الخبرية. أما مصداقية الوسيلة الإعلامية فهي نتاج تراكمي لالتزامها بتحري الموضوعية في ممارستها الإعلامية حتى يتشكل لديها رصيد من المصداقية تراهن عليه في كونها تلتزم بالموضوعية والاتزان في الطرح، وتبتعد عن ممارسة الفبركة والتضليل وتشويه الحقائق. والموضوعية والمصداقية في العمل الإعلامي مثل قيم الصدق والأمانة في الحياة العامة، فالجميع يتفق على ضرورة الالتزام بها، إلا أنه في المقابل قليلة هي تِلكُمُ الوسائل الإعلامية التي تلتزم بالموضوعية بشكل وافٍ في تغطياتها الإخبارية. وكثيراً ما حدث أن انحازت هذه الوسائل إلى جانب أحد أطراف الصراع وضربت بكل المبادئ والقيم المهنية والأخلاقية الإعلامية عرض الحائط كما حدث مع بعض الصحف وقنوات التلفزيون الأميركية والبريطانية التي بررت الغزو الأميركي على العراق في 2003، حتى أن بعض الصحفيين احتجوا على انحياز مؤسساتهم الإعلامية في تغطياتها الإخبارية لوجهة نظر إدارتي بوش وبلير وتأييدهما للحرب، فقدموا استقالاتهم. إن تبني الموضوعية والمصداقية في العمل الإعلامي يكون أوفى وأجدر في الممارسة والتطبيق في البلدان التي تحظى بنظام ديمقراطي تعددي يحترم حرية التعبير، وإعلامها مستقل لا يخضع للسلطة، ولكن لا يوجد إعلام موضوعي أو محايد وغير منحاز بشكل كامل في كل القضايا والأمور، فالانحياز سمة بشرية لا يمكن أن تتجرد منها وسيلة إعلامية. فالبعض يرى أن الموضوعية مجرد خرافة لا سبيل إلى تحقيقها، وهناك من يرى -وهو ما أراه الرأي الأصوب- أن الموضوعية هدف أو رغبة مثالية يمكن أن تتحقق إذا التزم الإعلامي أو مؤسسته بالدقة والنزاهة وعدم التحيز أو التحامل. في فترة ما حظيت بعض الإذاعات الغربية مثل الـ"بي بي سي" بشهرة كبيرة عند الجماهير العربية بسبب مصداقيتها التي بنتها من ممارستها الموضوعية. ووجدت الجماهير العربية في هذه الإذاعات بديلًا أكثر موثوقية من الإعلام الرسمي الموجه. وحدثت نقلة أخرى في عصر الفضائيات والإنترنت بأن توفر لدى الجماهير البديل الذي يعرض كافة وجهات النظر. ومؤخراً حدثت النقلة الكبرى في عصر الإعلام الجديد وشبكات التواصل الاجتماعي. فلم يعد للإعلام التقليدي الذي يخضع لسيطرة ملاكه وأجندتهم القول الفصل في تبيين الأحداث ونقل الوقائع، بل في كثير من الأحيان يسبق الإعلامُ الاجتماعي الإعلامَ التقليدي في كشف الحقائق وعرض وجهات النظر والتأثير في الرأي العام، بينما يراوح الإعلام التقليدي في مكانه ويستمر في ممارسة أسلوبه القديم من تغييب للأحداث، وعرض جانب من القضية فقط، وتقديم الآراء على أنها حقائق، ومعالجة المعلومات بطريقة غير موضوعية. إن من غير المجدي أن تواصل وسائل الإعلام التقليدية ممارسة أسلوبها القديم إن أرادت أن تحافظ على ما بقي لها من جماهيرية وحضور عند أفراد المجتمع. فالبعض لا يتابع الإعلام التقليدي إلا لمعرفة الأخبار الرسمية وأنشطة الدوائر والمؤسسات، ويزداد عزوفه عن الإعلام التقليدي عندما لا يجد فيه أحداثاً مهمة تدور من حوله، أو عندما تُعرض له وجهة نظر أحادية في شأن وطني. فلا عجب حينها إن تحول الجمهور إلى الإعلام الاجتماعي ليتعرف من خلاله على شؤونه وقضاياه.