وجدتُ بعد تحرير الكويت عام 1991، قرب سور إحدى المدارس، كتاباً مدرسياً للصف الرابع العام في العراق، ربما المرحلة الثانوية، وعنوانه "التربية القومية والاشتراكية". بين مؤلفي الكتاب صادق ياس التكريتي، والمشرف العلمي لمادة الكتاب، سامي عبدالله التكريتي! الكتاب إذن، كما هو واضح من عنوانه، ضمن الكتب الإيديولوجية التي استخدمها النظام في عهد الرئيس المخلوع ضمن المناهج المدرسية، بهدف إقناع طلاب العراق في هذه المرحلة بالأسس السياسية التي يقوم عليها! ولا شك أن قراءة بعض ما جاء فيه، تخلق في القارئ مشاعر متضاربة، مغضبة مضحكة، ساخرة وجادة. يقول مؤلفا الكتاب في مقدمته: إن ثورة 17-30 تموز المجيدة منذ انبثاقها بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي حرصت على تنشئة المواطن الأنموذج وبنائه فكرياً وعلمياً ووطنياً وقومياً.
وفي مجال سمات حزب البعث، يذكر الكتاب القومية ويقول: إن التاريخ يؤكد لنا أن القومية العربية هي أقدم القوميات التي وجدت على الأرض، وإن أقدم حضارة في العالم ترجع إلى العرب في عصور ترجع إلى عام 7500 ق.م، في حين أن حضارات العالم الأخرى لا تتجاوز عام 5500-6500 ق.م، مثل حضارة الصين والهند.
ومن سمات "البعث" ثانياً، بعد القومية، الإنسانية: و"الإنسانية في مفهوم الحزب ليست وضعاً اجتماعياً أو سياسياً مناقضاً للقومية بل هي موقف واتجاه وسلوك وأخلاق، وهي في القومية لا قبلها ولا بعدها، وليست ثمة قومية وإنسانية بل قومية إنسانية"!. ومن سمات حزب البعث، "الثورية" و"الانقلابية" و"العلمية". والمعرفة "العلمية "هي التي تنصبُّ على تحليل الواقع،"والثورية" هي التفكير العلمي السليم، أما" الانقلابية" فتعني انقلاباً على الذات "وثورة "تخلّص الإنسان العربي من كل مظاهر الفساد التي علقت به. وثمة سمة أخيرة لحزب البعث هي "الأخلاقية". وهذه ترتبط ارتباطاً أصيلاً بروح الأمة وتراثها، وما تجسد عبر تاريخها من قيم أصيلة وعادات نبيلة. كما لا يفرق الحزب بين الفكر والممارسة، ويرفض أي تناقض بين الفكر والسلوك!.
ومن شعارات الحزب المعروفة الحرية فما هي؟ الحرية، يقول الكتاب المدرسي، تعني:"تحرير الإنسان من قيود الفقر التي تكبل مواهبه وتحريره من كل سيطرة سياسية واقتصادية أجنبية وجميع أنواع التسلط والاستبداد الداخلي. غير أن الحرية هذه، "لقُطرٍ صغير محروم من نعمة الوحدة، تعني الوقوع لقمة سائغة للطامعين. والحرية لا يمكن قطعاً أن تأخذ مداها... إلا في ظل الوحدة".
وينتقد الكتاب الليبرالية والشيوعية معاً في موقفهما من الحرية. فالأولى تؤكد الحرية الفردية بمعزل عن مصلحة المجتمع. والثانية تؤكد المصلحة الاجتماعية بمعزل عن الفرد ومشاعره الإنسانية. فالصحيح إذن هو "موقف البعث من الديمقراطية". ولشرح هذه المدرسة البعثية في الديمقراطية، يشير الكتاب إلى معارك البعث النضالية ضد الرجعية والأنظمة الديكتاتورية، مما ساهم في "بلورة مفهوم شامل ومحدد للديمقراطية الشعبية، تمثلت فيه سمات الفكر البعثي، وخصوصيته المنهجية". فما هي أهم أسس هذه الديمقراطية لدى البعث؟ قد تندهش إلى الأبد إذا قرأت أن أول ثلاثة أسس التي يذكرها الكتاب للديمقراطية البعثية في العراق هو بالنص: رفض كل أشكال الديكتاتورية وإدانتها، تحت أية ذريعة جاءت ولأي سبب كان. صدق.. أو لا تصدق!.
أما الأساس الثاني فهو: رفض النمط البرجوازي للديمقراطية، كما عبرت عنه ممارسات البعض في تقليد النموذج البرلماني الغربي. الأساس الثالث للديمقراطية البعثية طريف حقاً: إدانة الانقلابات العسكرية، بما تمثله من استلاب لدور الجماهير وقواها المناضلة!. بالمقابل، يؤكد الحزب ضرورة "النضال الثوري المنظم لإسقاط الأنظمة الرجعية والديكتاتورية وإقامة النظام الاشتراكي الديمقراطي الوحدوي".
ويؤكد الكتاب السلطة العليا للحزب في الحياة السياسية، فيشير إلى أن من أسس هذه الديمقراطية الشعبية البعثية، المتفوقة على ديمقراطية الشرق والغرب، "إقامة سلطة ديمقراطية شعبية من خلال الدور الطليعي للتنظيم السياسي الثوري ممثلاً بحزب البعث العربي الاشتراكي، الذي يوفر وحدة القيادة ومركزيتها من جهة، وديمقراطية الإدارة وشعبيتها من جهة أخرى". وأخيراً، لا يفوت النظام الذي حطم كل النقابات العراقية، ودمر أحزاب المعارضة ومؤسسات المجتمع المدني في بلاد الرافدين، أن يذكر ضمن بنود ديمقراطية البعث ما يلي: تأكيد دور المنظمات الشعبية والمهنية في قيادة الجماهير، وتنظيم دورها وممارساتها الثورية في بناء المجتمع!.
ويحذر الكتاب من أن مفهوم الديمقراطية قد تعرض لتشويه وتحريف، إذ أن هناك الكثير من الأحزاب التي حاولت "تبني الديمقراطية وشعاراتها بشكل نظري خالٍ من أي إيمان حقيقي بالديمقراطية بقصد تضليل الجماهير والوصول إلى الأهداف التي تريد تلك الحركات أن تصل إليها ومنها السلطة".
ولحسن حظ الشعب العراقي، فإن حزب البعث ليس من هؤلاء! فيضيف الكتاب: ولقد وعى حزب البعث العربي الاشتراكي هذه الحقيقة منذ نشأته، وعي