الجوع كلمة لا يعرفها إلا الجائع، تقلص المعدة خواء الأمعاء، احتياج فطري، رغبة شديدة للطعام، فأن يكون الجوع اختياراً هو أقصى اليأس والأمل معاً. فالإضراب عن الطعام وسيله تمارس في العالم للضغط على الحكومات، وللتأثير على الرأي العام العالمي، والمنظمات الإنسانية للتجاوب مع مطالبهم، لكن إسرائيل الخارجة عن القانون دائما وأبداً، لا تستجيب للاتفاقات الدولية ولا المعاهدات الإنسانية ولا تلتفت للمجتمع الدولي. فكان الإضراب خياراً لمئات المعتقلين والأسرى الفلسطينيين والأردنيين واللبنانيين في السجون الإسرائيلية الذين أعلنوا إضراباً عن الطعام احتجاجاً على ظروف حياتهم المتدنية في السجن، وعلى استمرار التنكيل بهم وحرمانهم من أبسط الحقوق الأساسية مطالبين بتحسين ظروف اعتقالهم، بمعاملة آدمية لا ينتظر أن تصبح يوماً إنسانية.
بدأت إسرائيل خوض حرب مضادة، فالحكومة الإسرائيلية وللعجب خائفة من معتقليها تتهمهم بتهديد أمنها وبتوجيه العنف من زنازينهم. فأن "يضربوا حتى الموت" هو غاية إسرائيلية فوزير الأمن الإسرائيلي "تساهي هنجبي" ما زال مصراً على تصريحاته الصادمة التي أدلى بها بداية الإضراب عن استعداده لأن يستمر الإضراب حتى إذا مات المضربون عن الطعام قائلا "لم يتغير رأيي" فإسرائيل لن تقبل أيا من مطالب السجناء المضربين عن الطعام. وبدأت حفلات الشواء خارج الزنازين وطلب من الحراس الأكل أمام السجناء المضربين. ويذكر أن الأسرى مضربون الآن فقط عن تناول الطعام وليس عن شرب السوائل، فقامت سلطات السجون بسحب السوائل من عصائر وحليب من غرف الأسرى والمعتقلين وقامت بمصادرة الملح، وكل هذا بهدف الضغط على الأسرى لإجهاض الإضراب، كما تلجأ سلطات السجون إلى استعمال وسائل غير قانونية مع الأسرى بهدف الضغط عليهم، فأخرجت المراوح من الغرف ما سبب حاله إعياء شديدة للأسرى المضربين عن الطعام في وسط مرحله حرجه لطول أيام الإضراب من ناحية ولسوء المعاملة من ناحية أخرى. وهذه الأعمال بمجملها أعمالٌ غير قانونية إذ تنص وثيقة طوكيو لعام 1975 على أنه يمنع إجبار الأسرى على الأكل أو كسر إرادتهم للإضراب عن الطعام، طالما لا يوجد هنالك خطر مباشر على حياتهم جراء عدم تناول الطعام. ورغم كل ذلك لا تزال معنويات الأسرى، عالية فحركة التضامن الشعبي والدولي مع الأسرى الفلسطينيين وأسرهم في ازدياد حتى انضمت إليهم بعض المنظمات الإسرائيلية ككتلة السلام، دفاعاً عن الأسرى وأسرهم وللمطالبة بتنفيذ القانون الإسرائيلي الذي يمنحهم حقوقاً أساسية أسقطتها الحكومة الإسرائيلية عنهم تعسفاً.
تتجسد وحشية الممارسات الإسرائيلية فيما يسمى بالسجناء الموقوفين إدارياً دون تهمة أو محاكمة، فهم ندبة في جبين القانون الإسرائيلي وعار على حكومة تزعم ممارسة الديمقراطية. فالاعتقال الإداري يمارس على نطاق واسع، ويتزايد اللجوء إليه وتسويغه وهو عبارة عن أمر عسكري، يقره ضابط برتبة عميد، بدون لائحة اتهام وبدون محاكمة، ودون إبلاغ المعتقل ما هي الاتهامات المنسوبة إليه، وأجهزة القضاء العسكرية لا تشكل عائقاً أمام الاستعمال الجارف للاعتقال الإداري. كما أن الغالبية العظمى من هذه الأوامر تحظى بمصادقة الجهاز القضائي العسكري. وكما ذكرنا فإن المعتقل لا يواجه بالاتهامات الموجهة إليه ولا تتوفر لديه الفرصة بالرد على هذه الاتهامات، وكذلك نهاية الاعتقال غير معروفة للمعتقلين. فكثيراً ما يتم تمديد أمر الاعتقال الإداري بحق المعتقل قبيل انتهاء مدة حكمه الأولى. وهذا هو تعريف العدالة في إسرائيل.
دعت الأستاذة "نورا فاخوري" في مقال لها بعنوان "حرب الأمعاء الخاوية" نشر يوم الأحد الماضي بصفحة "وجهات نظر" إلى الصوم ساعة أو بعض يوم تضامناً مع السجناء المضربين عن الطعام منذ ما يزيد على العشرة أيام وحتى لحظه كتابه هذا المقال، دعوة منطلقاتها ليست سياسية ولا دينية بل إنسانية بحتة، استجيب لدعوتها وأعلن تضامني مع الأسرى... ولو بأضعف الإيمان صوماً من شروق الشمس وحتى غروبها، وعندما يقرصني الجوع سأتذكر حفلات الشواء أمام زنزانات المساجين، لا يسعني معها إلا أن اثني وأحيي تلك الإرادات الصامدة. هي دعوة مفتوحة تضامنا وتقرباً إلى الله.