لقد أصبح لزاماً على الأوروبيين، اتخاذ قرار مصيري في شهر ديسمبر المقبل، بشأن تحديد موعد قاطع ونهائي لتركيا، للبدء في مفاوضات انضمامها للاتحاد الأوروبي. ومع أن قرار الانضمام هذا لا يزال مجهولا، إلا أن المعروف عن الولايات المتحدة الأميركية، حماسها ووقوفها إلى جانب انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي. ومما لا شك فيه، أنه سيكون لها صوت في هذه المسألة. لكن وعلى أية حال، فإن التداعيات تظل كبيرة جداً، سواء بالنسبة لتركيا نفسها، أم الاتحاد الأوروبي أم الولايات المتحدة الأميركية، سواء كانت الإجابة على السؤال بنعم أم بلا. بالنسبة لتركيا، فإن عملية الانضمام، تقتضي إحداث تحول كبير وجذري في اقتصادها، بل وفي بنيتها الاجتماعية وثقافتها السياسية، بالنظر إلى موقع تركيا الاستراتيجي، والوعد الذي تمثله في المنطقة العربية الإسلامية.
وفي الوقت ذاته، فإن انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، سيحدث تحولات كبيرة في تركيبة وبنية الاتحاد، بما في ذلك ما سيجري لدستوره الجديد. ومن جانب واشنطن، فإن الانضمام، يعني الوفاء بوعد طويل الأمد، بإلحاق تركيا، بوصفها حليفاً استراتيجياً لأميركا، في قلب الاتحاد الأوروبي، في ذات الوقت الذي تسهم فيه تركيا بما عرف عنها من استقرار سياسي في عملية إصلاح الشرق الأوسط الكبير. أما إذا جاءت الإجابة سلبية، ورفضت فكرة انضمام تركيا لعضوية الاتحاد، فإن إجابة كهذه، سوف تدفع بالاقتصاد التركي مباشرة إلى الكساد، إلى جانب التأثير السلبي على استقرارها السياسي، مما ستكون له تداعياته وأصداؤه في منطقة العالم الإسلامي بأسرها.
والمعروف عن واشنطن أنها ظلت تدعو إلى انضمام تركيا لعضوية الاتحاد الأوروبي منذ عام 1991، ولم تعمد إلى أي نوع من مداراة رغبتها هذه، أو إخفائها. فمنذ عام 1995، لعبت الولايات المتحدة دوراً مهماً في إبرام اتحاد جمركي بين تركيا والاتحاد الأوروبي. غير أن بعض الأوروبيين- بمن فيهم المؤيدون لانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي- بدأ يحذر من أن تعود الضغوط التي تمارسها واشنطن على الاتحاد بهذا الشأن، بنتائج عكسية وسلبية على تركيا. وإذا ما حدث هذا، فإنه ليس ثمة غرابة، طالما أن مسؤولية وضع القوانين واللوائح والنظم التي ستنضم بموجبها تركيا إلى عضوية الاتحاد، هي من شأن الأوروبيين، وليس الأميركيين.
يجب القول هنا، إن الحساسية السياسية المحيطة بهذا الأمر، كبيرة جدا في أوروبا. ولا شك أن انضمام تركيا إلى الاتحاد، ليس بالأمر السهل على قادة القارة. وهناك الكثير من الحكومات الأوروبية التي شرعت تتأهب لبدء عملية التفاوض بحلول عام 2005، في حال تأكد مفوضية الاتحاد الأوروبي، من أن تركيا قد أوفت بتوفير المعايير الأساسية اللازمة للالتحاق بعضوية الاتحاد. لكن وعلى رغم ذلك، فإن قسماً كبيراً من الجمهور الأوروبي، يرفض فكرة انضمام تركيا إلى أوروبا. ففي فرنسا مثلا، يؤيد الرئيس الفرنسي جاك شيراك، فكرة البدء في المفاوضات، غير أن أكثر من 60 في المئة من الفرنسيين- بمن فيهم شخصيات قيادية نافذة في حزب شيراك نفسه- بقيت على رفضها للانضمام. وبالمثل تماماً في ألمانيا، إذ عرف عن المستشار الألماني جيرهارد شرودر حماسه ودفاعه القوي عن فكرة انضمام تركيا إلى صفوف الاتحاد. إلا أن خصومه السياسيين، يطرحون بديلا آخر لتلك الفكرة، هو أن يظل الاتحاد الأوروبي على علاقة خاصة بتركيا، دون أن تمنح هذه الأخيرة فرصة الانضمام لعضوية الاتحاد.
لكن وفي هذا العام، فإن هناك عاملين يضعان مصاعب جمة، أمام الضغوط الأميركية الملحة على انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. أولهما أن الجدل الداخلي التركي، يحتدم بقوة وحدة، بسبب استخدام الجناح اليميني، لورقة الانضمام، في سبيل الحصول على أوسع تأييد شعبي له داخل البلاد. ثانياً وفي أعقاب نهاية الحرب الأميركية على العراق، فقد كثرت الشكوك العامة حول دوافع ونوايا الولايات المتحدة الأميركية حيال المنطقة، ومن ثم قلت قدرتها على لعب أي دور مؤثر في الدفاع عن كثير من القضايا ذات الصلة بالسياسات الخارجية. وفيما لو أرادت الولايات المتحدة لعب أي دور كهذا، فإن عليها أن تختار منحى آخر، أكثر كياسة وحذراً وتحديداً للهدف المعين، مثل ذلك الذي اقترحناه في دراسة صدرت مؤخراً عن "المجلس الأطلسي الأميركي". وفقاً لهذا المنحى، فإن أحد مداخل الدفاع الأميركي عن انضمام تركيا لعضوية الاتحاد، يجب أن يستهدف الدول والحكومات الأوروبية التي بوسعها إحداث تغيير في الموقف الأوروبي حيال فكرة الانضمام، سيما دول أوروبا الوسطى الجديدة، مثل بولندا. أما في الدول الأوروبية الأخرى مثل فرنسا وألمانيا- حيث تؤيد الحكومات الرسمية فكرة الانضمام، أمام معارضة شعبية واسعة النطاق- فإن مداخل واشنطن، يجب أن تقتصر على التشجيع، والحث الهادئ على تبني الفكرة. وعلى واشنطن أن تتوخى كل الحذر اللازم، تجنباً لإضافة أي صعوبات جديدة، على العمل السياسي للقادة الأوروبيين. كما ينبغي على الولايات المتحدة أيضاً، أن تسعى لمؤس