الفجوة بين الربان والميدان
كان هذا عنوان مقال نشرته قبل أكثر من عشرة أعوام عندما كانت وزارة التربية هي من تخطط لتطوير التعليم في دولة الإمارات، وكان من يخطط في الوزارة بعيداً جداً عن الميدان. حَلمُ ذلك الإنسان بأهداف كبيرة للتعليم في الدولة واستغرق في حلمه طويلًا ، وفجأة استفاق على خبر إحالته للتقاعد لأن الميدان- كما يقول أهل الإدارة- أثبت له أن الديناصورات انقرضت لسبب واحد، وهو أن الجراثيم كانت تأكل أقدامها، وبما أن رأس الديناصور بعيد جداً عن الأقدام استمرت تلك الكائنات الصغيرة التي لا نلقي لها بالاً في ممارسة دورها بأكل أجزاء صغيرة جداً من ذلك الجسم الكبير وفجأة سقطت الديناصورات وانقرضت، لا أكتب هنا قصة رمزية لكنه واقع مر بنا في دولة الإمارات في سجل مشاريع التطوير التربوي الذي نسي الميدان أو تناساه أو ربما ابتعد فيه الربان قليلًا عن الميدان، لكن هذا الشق الصغير تحول مع الزمن إلى جرف، فانهار به إلى تاريخ غابر من الأزمان.
تذكرت هذا المقال بعد حلقة خطوة الاثنين الماضي، والتي خصصتها للحديث عن مدارس المستقبل وناقشنا خلالها العديد من القضايا مع مسؤولين في مجلس "أبوظبي للتعليم" على رأسهم معالي الدكتور مغير الخييلي. ومن تلك اللحظة وبريدي مليء بالتعليقات، ولعلي ألخص في مقالي اليوم أهم ما يشغل الميدان التربوي في أبوظبي:
الكل مجمع على أهمية التطوير التربوي وهذه شهادة خير للمسؤولين عن تطوير التعليم، ولم أجد رسالة واحدة تتأفف من العمل من أجل التطوير، فكلهم يدٌ واحدة ممدودة لإنجاح برامج التطوير. كما أشاد الجميع بالإنجازات المادية التي تحققت من بناء راقٍ لمدارس المستقبل، والشهادة تسجل هنا للتاريخ أن المال لم ولن يكن عقبة أمام تطوير التعليم في أبوظبي، فشيوخنا فتحوا ميزانية العاصمة لهذه المشاريع الجبارة.
أستطيع تلخيص ما يشغل بال الميدان التربوي في نقاط أولها الهوية الوطنية، وثانيها مستقبل المواطنين في الحق التربوي، وثالثها المعرفة لدى التلاميذ. لقد تم الاستعانة بخبرات من المعلمين الأجانب بعضهم متميز كما رأيت شخصياً في زياراتي التي لاتنقطع للميدان التربوي، وبعضهم لا يدري لم هو هنا، هذا يطرح سؤالًا حول آلية استقطاب هذه الكفاءات، وهل تم إعداد برامج لهم حول الدور المناط بهم وتعريفهم بتقاليد وقيم مجتمع الإمارات. القضية الثانية بدت واضحة عندما شعر بعض المعلمين بأن مدارسهم همشتهم لأسباب كثيرة أهمها عدم قدرة بعضهم على التدريس بغير لغتهم الأم، أو هكذا شبه لهم، القضايا التالية مرتبطة بالمعرفة، منها مثلًا ثنائية اللغة حيث تدرس بعض المواد بالعربية، وأخرى بالإنجليزية. وللأسف الشديد هذا يتعارض مع جل الأبحاث التربوية العالمية ومنها ما تبنته اليونسكو، وتجربة ماليزيا أقرب مثال فقد تبنت فكرة تدريس العلوم والرياضيات بالإنجليزية عام 2003، ولكن النتائج لم تكن في مصلحة معرفة التلاميذ لأسس العلم، فتخلت عن هذا المشروع هذا العام، هناك فرق بين تعليم اللغة الإنجليزية والتعليم من أجلها.
وفي هذا الإطار، تأتي مشاريع المجلس الأخرى مثل تهميش دور الكتاب في المدرسة، أسلوب التقويم الشمولي، معلم المجال، وغير ذلك من المشاريع، التي لا أحسب أن المدارس أعدت لها.
لذلك أقترح إعادة تسمية مجلس أبوظبي للتعليم إلى هيئة التعليم وتعيين مجلس للإشراف عليه مكون من خبراء تربويين وممثلين عن الشركاء الأساسيين من الميدان كي نضمن التواصل بين الميدان والربان.