تعدّ حرية ممارسة الأنشطة الاقتصادية في مناخ استثماري وبيئة أعمال مرنة وتنافسية خالية من الإجراءات الروتينية المعقّدة ومنخفضة التكلفة وخالية من الضرائب بخلاف ديناميكية الأسواق المحلية وفرص توسّعها في المستقبل، من المعايير المهمّة التي يستخدمها المستثمرون للمفاضلة بين الوجهات الاستثمارية الجديدة حول العالم، وكلما استوفت الدولة هذه المعايير ازدادت جاذبيتها وأصبحت أكثر تفضيلاً بالنسبة للمستثمرين مقارنة بغيرها من الدول والوجهات الاستثمارية حول العالم. وتجتهد الدول في جعل نفسها حاضنة جاذبة للأنشطة الاستثمارية، سواء القائمة أو الجديدة، عبر السّعي إلى استيفاء أكبر قدر من هذه المعايير، مع محاولة إضفاء نوع من الخصوصية والطابع الخاص لبيئتها الاستثمارية عبر توفير مميزات جديدة واستثنائية لا تتوافر لدى غيرها من الدول، ولا تخرج منطقتنا العربية وكذلك منطقة الخليج العربية عن هذه القاعدة، ولذلك فإن هذه الدول تتنافس فيما بينها، وأيضاً مع باقي دول العالم في توفير هذه المعايير والظروف الاستثمارية الملائمة. وبالرغم من هذا التنافس العالمي المحموم في هذا المجال، فإن عدداً محدوداً فقط من الدول استطاع استيفاء هذه الشروط، وتعدّ دولة الإمارات العربية المتحدة واحدة من الدول ذات التجارب العالمية الناجحة في هذا الشأن، بعد أن اجتهدت لعقود طويلة في تهيئة بيئتها الاستثمارية عبر توفير البنى التحتية الأكثر تطوّراً على مستوى المنطقة، بل إنها دأبت خلال الفترة الماضية على أن تحتل إحدى المراتب العالمية الخمس الأولى ضمن مؤشر الدول الأكثر إصلاحاً للمناخ الاستثماري في العالم، ضمن تصنيف "المنتدى الاقتصادي العالمي"، ونتيجة لهذه المجهودات المثمرة فقد تقدّمت دولة الإمارات على سلم الترتيب العالمي وفقاً لمؤشرات ممارسة الأعمال بوجه خاص ومؤشرات الحرية الاقتصادية بوجه عام التي تصدرها المؤسسات الاقتصادي العالمية. وفي هذا الإطار استطاعت الدولة أن تتقدمّ 12 مرتبة دفعة واحدة في عام 2011 وفقاً لـ"مؤشر الحرية الاقتصادية" الذي تصدره مؤسسة "هيرتدج" الأميركية، واحتلت بذلك المرتبة الـ35 من بين 179 دولة حول دول العالم شملها التصنيف، وهي مرتبة مميزة وتضعها بين مصاف الدول المتقدّمة بل إنها تتفوّق على بعض الدول الأكثر تقدّماً وفقاً للمؤشر نفسه. إن التقدّم الذي أحرزته الدولة على سلم التصنيف الدولي للحرية الاقتصادية هذا العام ليس التقدّم الأول من نوعه، بل استطاعت في عام 2010 أيضاً أن تحرز تقدّماً مماثلاً عندما قفزت تسع مراتب مقارنة بتصنيفها في العام الذي سبقه، ويمثّل هذا التقدّم المطّرد، وفقاً للمؤشر المذكور، دليلاً على سلامة السياسات الاقتصادية والاستثمارية التي تمارسها الدولة، حيث استطاعت أن تنقّي المناخ الاستثماري الوطني من الكثير من أوجه القصور التي تعانيها مناخات الاستثمار في العديد من دول العالم، وعلى رأسها الفساد، وتعقّد الإجراءات، وارتفاع التكاليف، وعدم توافر البنى التحتيّة الملائمة، وصعوبة دخول الأسواق بالنسبة للمستثمرين الجدد، ومزاحمة الاستثمارات الحكومية، وضعف خيارات التمويل، هذا بخلاف محدودية حجم الأسواق وهو التحدّي الذي استطاعت دولة الإمارات التغلّب عليه من خلال الأداء الاقتصادي الديناميكي وتحسين مستويات معيشة السكان والارتباط الوثيق بالأسواق الإقليمية والعالمية.