الميول المهنية للطلاب
الدراسة التي أجرتها وزارة التربية والتعليم على المدارس الحكومية في الدولة، بهدف قياس الميول المهنية للطلبة، ونشرت نتائجها الصحف المحلية، مؤخراً، تسلّط الضوء على واحدة من التحدّيات الخطرة التي تواجه منظومة التعليم في الدولة، وهي عدم المواءمة بين مخرجات العملية التعليمية، ومتطلّبات سوق العمل. فقد أظهرت هذه الدراسة وجود تباين بين ميول الطلبة والطالبات المهنية في المرحلة الثانوية، والاحتياجات الفعلية لسوق العمل في الدولة، حيث يميل الطلبة الذكور إلى المجالات العسكرية والشرطية، وتميل الإناث إلى المجالات الفنية مثل الرسم والديكور، وهي مجالات تبتعد في مجملها عمّا تستهدفه الدولة من جعل منظومة التعليم القاطرة التي تقود عملية التنمية في المجالات كافة، وما يعنيه ذلك من الاهتمام بالمجالات العلمية، وما يرتبط بها من تخصّصات نوعية تخدم أهداف التنمية.
نتائج هذه الدراسة تتماشى مع ظاهرة أخرى مماثلة تعانيها منظومة التعليم في الدولة، وهي عدم التناسب بين أعداد من يلتحقون بالقسم العلمي والقسم الأدبي، إذ إن هناك فجوة كبيرة بينهما، حيث تشير الإحصاءات الرسمية الصادرة عن وزارة التربية والتعليم في هذا الشأن إلى أن أعداد طلاب القسم العلمي 35 في المئة وأعداد طلاب القسم الأدبي 65 في المئة، وهذا أمر يؤثر لا شكّ بالسلب في الخطط التنموية المستقبلية، التي تقوم عليها الرؤى والاستراتيجيات الحكومية المستقبلية الرامية إلى إيجاد قاعدة من الكوادر الوطنية المؤهّلة للانطلاق بثقة وثبات نحو المجالات التي تخدم الاقتصاد الوطني. وتكفي الإشارة في هذا السياق إلى التقديرات التي تشير إلى أن التنمية الاقتصادية في إمارة أبوظبي فقط تحتاج إلى 40 ألفاً من المهندسين والتقنيين، من أصحاب المهارات العالية في مختلف التخصّصات في عام 2020، في حين أن نظام التعليم الحالي لا يوفر سوى 3000 فقط، لإثبات كيف أن استمرار الاختلال بين من يلتحقون بالقسم الأدبي والعلمي يمكن أن تكون له تأثيراته المستقبلية السلبية في أهداف التنمية وخططها في الدولة.
الميول المهنية للطلاب التي تتجه في الأغلب إلى المجالات النظرية، لا شكّ تمثّل التحدّي الرئيسي أمام خطط تطوير منظومة التعليم في الدولة وإصلاحها؛والتي تستهدف تعظيم مخرجات العملية التعليمية كي تتواكب مع حركة التطوّر والنمو التي تشهدها الدولة في المجالات كافة، فإذا كان هناك بالفعل اهتمام استثنائي من جانب الدولة وقيادتنا الرشيدة بالتعليم، وتعظيم دوره باعتباره القاطرة التي تقود عملية التنمية، فإن هناك ضرورة ملحّة للتعاطي مع المشكلات التي تعوق هذا المسار، والتعامل معها بقدر من الاهتمام يوازي ما قد ينجم عنها من تحدّيات. صحيح أن هناك اهتماماً من جانب وزارة التربية والتعليم بموضوع الإرشاد والتوجيه المهني للطلاب في المدارس، حيث أعدّت برنامجاً إرشادياً يستهدف التعرّف على تفضيلات الطلاب وميولهم المهنية، ومساعدتهم على تحديد التخصّصات التي تناسب إمكاناتهم، بما يتيح لهم الانخراط بسهولة في سوق العمل عقب تخرّجهم، لكن الأمر يتطلّب أيضاً انخراط باقي مؤسسات المجتمع في هذه القضية الحيوية التي ترتبط بمستقبل التنمية والتطوّر في دولة الإمارات بداية من الأسرة التي يتعيّن عليها العمل على توجيه أبنائها نحو اختيار المسار المهني الصحيح الذي يضمن مستقبلهم، مروراً بشركات القطاعين العام والخاص ومؤسساتهما من خلال تقديم الحوافز والمنح المالية للطلاب لتشجيعهم على دراسة التخصّصات العلمية، ونهاية بوسائل الإعلام التي ينبغي أن تركّز على هذه القضية الحيوية، وما يرتبط بها من تحدّيات تنموية تواجه الدولة في الحاضر والمستقبل.
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية