لقد خلق الله البشر مختلفين في ألوانهم وألسنتهم وإمكاناتهم وجعل معترك الحياة ميداناً لهم ليتعارفوا وينتفع بعضهم من بعضٍ كي يرقى الإنسان ويسعد في حياته. وهذا التنوع والاختلاف هو دافع كي يتآلفوا ويلتقوا ويتعاونوا في بناء ما ينفعهم وينفع الأجيال اللاحقة لهم. وإدراك هذا التباين في القدرات والأفهام هو البوابة التي من خلالها يتقبل الإنسان أفكار الآخرين ويتفاعل معها ويستفيد من الإيجابي فيها. لقد ذكرت هذه المقدمة نتيجة لما وجدته لدى البعض من نظرة سوداوية قاتمة للإنجازات التي تحققت في الإمارات على مدى الأربعين سنة الماضية وبالذات ما يطرحه البعض من أننا لا نريد تنمية في بناء الأبراج وإنما نريد تنمية في بناء الإنسان ويغفلون أو يتجاهلون المعجزة المتحققة في بناء الإنسان الإماراتي منذ قيام الدولة إلى يومنا هذا. وأعلم أن البعض يطالب بحرية الرأي ولكن إذا أبديت رأياً مخالفاً له اتهمك بالنفاق والمجاملة وكأنه لا يحق لك أن تبدي رأياً مخالفاً لرأيه لأن هذا ليس من الحرية في شيء. وأخشى أن يعيد التاريخ نفسه فعندما كنا نخالف القوميين والاشتراكيين في آرائهم خلال دراستنا الجامعية كنا نتهم بـ"الرجعية" و"العمالة للإمبريالية"! والأمر يتكرر الآن مع بعض من يريدون المعارضة للمعارضة ويبحثون عن دور لأشخاصهم أو من يتبعونه على حساب مصالحنا ومصالح أوطاننا ويحاولون ربط واقعنا نحن بالواقع المأساوي الذي عاشته بعض الشعوب العربية التي ثارت على شعوبها، ويتوقعون منا إما أن نوافقهم أو أن نبقى على الحياد نتفرج، وإذا حدث وتجرأنا بإبداء رأينا ملأوا الدنيا ضجيجاً وعويلًا بالتشهير والاتهام بالنفاق والمجاملة والجبن! إنني أدعو المخالفين لي إلى عقد مقارنتين عادلتين حتى يتسنى لنا الحكم بموضوعية على الإنجاز الذي تحقق على أرض الإمارات بكل ما تحويه وأول ذلك الإنسان. فالمقارنة الأولى بين ما لدينا الآن من نمط حياة ومستوى معيشة ووسائل راقية وبين ما كان لدى آبائنا قبل أربعين سنة. بل كم كانت نسبة المتعلمين وحملة الشهادة الجامعية في ذلك الوقت وكم عددهم الآن؟ هل كان لدينا مواطن واحد يحمل شهادة الدكتوراه؟ ما هي نسبة تعليم المرأة في ذلك الوقت وما هي النسبة الآن؟ ما هي الخبرات الوطنية الموجودة في مختلف المجالات في ذلك الوقت وما هي الآن؟ وغيرها من الأسئلة التي تقارن واقعنا قبل أربعين سنة وواقعنا الآن. وأما المقارنة الثانية فهي بين ما هو موجود لدينا وما هو موجود لدى الآخرين في مختلف المجالات ومنها بناء الإنسان، وأنا لا أقول إننا أفضل من غيرنا في كل شيء ولكننا وبالتأكيد في المقدمة ومنها بناء الإنسان. وهذا لا يعني أبداً أنه ليست لدينا أخطاء أو أننا وصلنا القمة لأنه لا توجد قمة في عملية بناء الإنسان وتنميته، بل لدينا أخطاء وجوانب عديدة تحتاج إلى تطوير وتنمية وسيتم ذلك لأن التنمية والتطوير أصبحت جزءاً من منظومتنا الفكرية والنفسية ولذا فإننا نتوق إلى الجديد ونتطلع للتجديد.