التسمم الغذائي والخيار الإسباني
جاء قرار وزارة البيئة والمياه في دولة الإمارات بحظر استيراد الخيار مؤقتاً من 4 دول أوروبية هي: إسبانيا، وألمانيا، والدنمارك، وهولندا، على خلفية مسلسل إصابة العديد من الأشخاص في أوروبا ببكتيريا معوية تؤدي إلى الفشل الكلوي الحاد وفقر الدم جراء تدمير كرات الدم الحمراء، ومن ثم التسبب في نقص الصفائح الدموية. والبكتيريا محل الاتهام هي بكتيريا "الإي-كولاي" (E. Coli)، الموجودة بشكل طبيعي في الجهاز الهضمي للإنسان وكذلك الحيوانات. وعلى رغم أن معظم أجناس هذه البكتيريا غير ضار ولا يسبب أية أمراض إلا أن بعض أجناسها يسبب أحياناً تسمماً غذائيّاً من خلال ما تفرزه من سموم، تظهر أعراضه على شكل مغص شديد وإسهال. وفي حالات نادرة تتسبب "الإي-كولاي" في عدوى شديدة، تؤثر على الدم، والكليتين، وأحياناً حتى الجهاز العصبي المركزي.
وهذه الحالة المعروفة بمنظومة النزيف والفشل الكلوي (Haemolytic Uraemic Syndrome)، تعتبر من المضاعفات النادرة وغير المعتادة للعدوى بـ"الإي كولاي" وبعض أنواع البكتيريا الأخرى وتظهر أعراضها في شكل إسهال ممزوج بالدم، وفشل كلوي، ونوبات صرع. ويعتقد الأطباء أن جنساً محدداً ونادراً من بكتيريا الـ"إي كولاي" (O104)، هو المسؤول عن هذه الإصابة، بالإضافة إلى جنس آخر (O157)، يشتبه أيضاً في تسببه في أعراض مشابهة، وارتبط بأوبئة محدودة من المرض منذ عقد الثمانينيات.
وبوجه عام يقسم التسمم الغذائي إلى نوعين رئيسيين؛ نوع ينتج عن وجود ميكروب أو جرثومة في الغذاء، ونوع آخر ينتج بسبب وجود سموم في الغذاء، سواء كانت هذه السموم اصطناعية أم طبيعية أم ناتجة عن جراثيم وميكروبات. وهو ما يعني أن النوع الأول هو في حقيقته نوع من العدوى التي تتم عن طريق تناول غذاء ملوث بالميكروب أو الفيروس أو الطفيلي، تغزو على إثرها هذه الجراثيم الجسم عن طريق الجهاز الهضمي، لتسبب حزمة متنوعة من الأمراض المختلفة. أما النوع الثاني، فهو ببساطة نوع من التسمم تظهر فيه الأعراض والعلامات بسبب دخول كمية من السم إلى الجسم، فتسبب اضطراب أعضائه وأجهزته الحيوية. وهذا السم، إما أن يكون مادة كيميائية لوثت الغذاء بشكل مباشر، أو أن يكون ناتجاً عن ميكروبات وجراثيم كانت تعيش على الغذاء الفاسد، ثم أنتجت سموماً كجزء من مخلفاتها الأيضية.
ويعتقد أن الوباء الأخير من "الإي-كولاي"، قد نتج عن تناول خضراوات ملوثة، حيث تدعي الجهات الألمانية الرسمية أن بعض أنواع الخيار المزروع بالطريقة العضوية، والمستورد من إسبانيا، قد اكتشف تلوثه بالبكتيريا، وإن كانت هذه الجهات نفسها قد تراجعت عن ادعائها هذا، بعد أن ظهر يوم الثلاثاء الماضي أن صنف الميكروب الموجود في الخيار الإسباني، مختلف عن الصنف الذي يتسبب في الوباء الحالي. وغني عن الذكر هنا أن في الفترة الفاصلة بين الإعلان الأولي عن الاشتباه في كون الخيار الإسباني هو مصدر الوباء وبين التصحيح الأخير بأن هذا الاستنتاج ليس قاطعاً أو مؤكداً، تعرض قطاع الزراعة الإسباني لضربة موجعة، حيث تشير التقديرات إلى خسائر مالية للمزارعين الإسبان تزيد قيمتها عن 200 مليون دولار أسبوعيّاً. ويتوقع أن تزداد وتيرة هذه الخسائر بعد توقف جميع الدول الأوروبية، ودول أخرى خارج الاتحاد الأوروبي عن استيراد العديد من المنتجات الزراعية الإسبانية، وليس الخيار فقط. ويتوقع كثيرون أن تستمر خسائر القطاع الزراعي الإسباني لفترة طويلة، حتى وإن توقف انتشار الوباء وانحسر نطاقه، وحتى إن ثبت أن مصدر الوباء لا علاقة له بإسبانيا من الأساس.
وهو ما دفع وزيرة الزراعة الإسبانية للإعلان ضمن اجتماع للاتحاد الأوروبي خلال الأسبوع الماضي في هنغاريا، عن انزعاجها الشديد من الطريقة التي تعاملت بها السلطات الألمانية مع الموقف، مطالبة هذه السلطات بالإعلان عن جميع المعلومات المتوفرة لديها عن هذا الموضوع، ودون أي تأخير أو تشتيت، حتى تتمكن دول الاتحاد الأوروبي من معرفة مصدر البكتيريا المسببة للوباء. ولكن في ظل وفاة 16 شخصاً، 15 منهم في ألمانيا وحدها، وإصابة أكثر من 1150 شخصاً بالبكتيريا، تعرض 373 منهم لمنظومة النزيف والفشل الكلوي، يرى الألمان أن حياة وصحة الناس، أهم من الاعتبارات الاقتصادية الزراعية، وهو ما فرض عليهم الاستجابة الفورية على المستويين الصحي والإعلامي، إلى أن تتضح الصورة بأكملها.
جدير بالذكر أن الـ"إي-كولاي" تنتقل غالباً عن طريق تناول البيض واللحوم النيئة، أو غير المطهيين بدرجة كافية، وإن كانت حالات كثيرة ظهرت مؤخراً من جراء تناول الفواكه والخضراوات الطازجة، مثل تلك المستخدمة في السَّلطات، أو وصفات الطبخ التي لا تتطلب طهيها بشكل جيد. ولذا ينصح بغسل الفواكه والخضراوات بشكل جيد، ولفترة كافية، خصوصاً تلك التي لن يتم طهيها على النار، مع التأكد من أن الأطعمة ذات المصدر الحيواني (اللحوم، الألبان، البيض)، قد تم طهيها بدرجة حرارة مرتفعة ولفترة كافية، ويمكن استخدام مقياس حرارة خاص بالطهي للتأكد من ذلك. ومن الضروري تجنب تناول اللحوم النيئة تماماً مع ضرورة مراجعة تاريخ الصلاحية عند الشراء وقبل الطهي والاستخدام. وإذا ما قدمت لك في مطعم وجبة تحتوي على لحوم غير مطهوة بشكل كافٍ فرُدها، واطلب إكمال طهيها، على أن توضع في طبق جديد غير الذي قدمت فيه خلال المرة الأولى.