هل عادت النخاسة من جديد؟ هل عاد زمن الرقيق الأسود ليصبح رقيقاً بألوان الطيف، نساء وأطفال ورجال عبودية القرن الواحد العشرين؟ انتهاك صارخ لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية في جرائم عابرة للحدود الدولية، جرائم بألوان وصور متعددة تحمل إحداها صور الاتجار بالنساء والأطفال لأغراض جنسية، عمالة السخرة، بيع الأطفال، استغلال أطفال الشوارع، بيع الأعضاء البشرية كقطع غيار آدمية، تجنيد الأطفال، استغلال المهاجرين غير الشرعيين. نشاط إجرامي يستهدف كرامة النفس الإنسانية إيذاء للجسد وللروح. مأساة إنسانية لن تنتهي فصولها بين يوم وليلة، هو اتجار بالبشر، اتجار بالإنسانية في أكبر تجارة غير شرعية حول العالم. صحيح أن زمن الأقفاص الحديدية المحملة بالعبيد بين ضفاف الأطلسي في أسوأ تجارة عرفتها البشرية آنذاك قد انتهى، كما انتهى من قبله زمن الجواري والعبيد يباعون في أسواق النخاسة التقليدية، كما تذكرها كتب التراث. لكن اليوم، وفي ظل العولمة والفضاء المفتوح في القرن والواحد والعشرين عادت تجارة الرقيق بصورة أسوأ، مما كانت عليها في عصور الظلام، عصور الرق والعبودية، فأصبحت الأغلال غير مرئية، وأصبح الرق الخيار الوحيد المتاح للضحايا في أوضاع الفقر الشديد أو الحروب، ويدفعون ثمن الهروب من الحروب ومن الكوارث، ومن الفقر، أحلام مزيفة بمستقبل زاهر، وبين دول المصدر ودول المقصد تنتقل البضائع البشرية مع الأحلام والأوهام لتضيف فصلاً جديداً للمآسي الإنسانية. في عالم اليوم أصبح الاتجار بالبشر صناعة تدر بلايين الدولارات، وتأتي بعد تجارة المخدرات والسلاح، والمأساة أن الإنسان السلعة، يمكن أن يباع ويشترى أكثر من مرة على عكس المخدرات والأسلحة. أصبح الرجال والنساء والأطفال سلعة تجارية تحركها قوانين العرض والطلب في الأسواق، تجارة تدار من منظمات إجرامية عابرة للحدود، تجارة تزدهر في أوضاع الفقر والجوع والجهل، وفي تسلط الحروب على بعض الدول، وتقدر منظمة اليونيسيف عدد الأطفال الذين يتم الاتجار بهم، سواء داخل البلدان أو عبر الحدود، بـ 1.2 مليون طفل سنوياً يتم "استغلال هؤلاء الأطفال في البغاء أو كجنود في الجماعات المسلحة، أو كأيادٍ عاملة رخيصة أو مجانية، أو للعمل كخدم في المنازل أو كمتسولين". تختلف أسباب تفاقم المشكلة بين مجتمع وآخر، ولكن في مجملها تتفق على أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية سبب رئيسي في تحول مناطق جغرافية لدول مصدرة، يضاف إلى كل ذلك ضعف إنْ لم يكن انعدام التشريعات القانونية وضعف الهياكل الحكومية وعدم جدية الحكومات في محاربة الاتجار برعاياها. يعرف الجميع بأن القضاء على الاتجار بالبشر يتطلب تظافر الجهود الدولية والتزام الشفافية بين الحكومات في توفير المعلومات وتبادل الخبرات بين دول المصدر ودول العبور ودول المقصد، معلومات عابرة للحدود للحد من عواقب جريمة الاتجار بالبشر، والكشف عن هويات الوسطاء الجناة، وسوقهم إلى العدالة. لقد عملت دولة الإمارات العربية المتحدة، وعلى مدار السنوات الماضية على تعزيز ثقافة حقوق الإنسان في المجتمع وبوضع الآليات المناسبة للحد ثم القضاء على الاتجار بالبشر على أرض دولتنا الحبيبة، فسخرت الدولة الموارد وأصدرت التشريعات وأنشأت الدور الإيوائية، وقامت بحملات التوعية لمكافحة الاتجار بالبشر، وشهدت الدولة مؤخراً انعقاد اللقاء الخليجي الأول لمكافحة الاتجار بالبشر لتعزيز التعاون بين دول المجلس والتعاون الدولي والإقليمي من خلال الاتفاقيات والإجراءات والتدابير المشتركة. بذل الكثير ولازالت دولة الإمارات ماضية في مكافحة الرق الحديث.