أهميّة توطين مهنة التدريس
أوصى "المجلس الوطني الاتحادي"، يوم الثلاثاء الماضي، في نهاية جلسته الثانية من دور الانعقاد العادي الخامس من الفصل التشريعي الرابع عشر، بوضع برامج وخطط استراتيجية من أجل توطين الفئات التدريسية. هذه التوصية تستمد أهميّتها بالنظر إلى الإحصاءات الرسمية التي تشير إلى تراجع التوطين في قطاع التعليم، إذ لا يتجاوز 7 في المئة في الكليّات، أما في مرحلة ما قبل التعليم الجامعي، فإن عدد المعلمين المواطنين في الدولة لا يشكّلون أكثر من 11 في المئة من إجمالي المعلمين الذكور.
هذه الأرقام لا تنسجم مع الجهود التي يتم بذلها على أكثر من مستوى من أجل دفع الكوادر المواطنة إلى الإقبال على هذه المهنة المهمّة والحيويّة، فقد بدأت وزارة التربية والتعليم، خلال السنوات القليلة الماضية، تنفيذ خطة لتوطين الهيئات التعليمية بتشجيع المواطنين خريجي كليّات التربية والآداب على الانخراط في سلك التدريس، بالإضافة إلى إنشاء معاهد للمعلمين تكون بديلاً لبرنامج التأهيل التربوي فيما بعد لاستكمال خطة التوطين في سلك التدريس، واستحداث مسارات تربوية جديدة لاستكمال صفوف الهيئة التدريسية من التخصّصات المختلفة. لكن برغم ذلك كله ما زالت نسب التوطين في هذا القطاع دون المستوى المأمول، فحسبما هو مخطّط له، فإن خطة تطوير التعليم في الدولة تستهدف الوصول بنسبة المواطنين العاملين في سلك التربية والتعليم إلى 90 في المئة بحلول عام 2020.
الدراسات التي أجريت لتقصّي أسباب تراجع التوطين في قطاع التدريس لا ترجعها إلى عامل واحد، فهناك العامل المادي الذي يقف في مقدّمة الأسباب التي تدفع المواطنين إلى العزوف عن دخول هذه المهنة، حيث يشكو العاملون في القطاع التربوي من تدنّي رواتبهم مقارنة بنظرائهم المواطنين في الدوائر والمؤسسات الحكومية الأخرى، ويشير بعضهم إلى ضعف سلم الترقي الوظيفي للعاملين في قطاع التعليم من المواطنين مقارنة بأقرانهم العاملين في الدوائر والمؤسسات الحكومية الأخرى، فيما يشير بعضهم الآخر إلى تراجع المكانة الاجتماعية لمهنة التدريس.
لا شكّ في أن الحضور الضعيف للعنصر المواطن في مهنة التدريس في الدولة ينطوي على خطر كبير بالنظر إلى الموقع المحوري للتعليم في العملية التنموية برمّتها من ناحية، ودوره في تربية شباب المستقبل الذين سيتحمّلون مسؤولية العمل الوطني في الدولة وتنشئتهم من ناحية أخرى، فوجود المعلم المواطن الملمّ بخصوصيات المجتمع، الثقافية والحضارية، سيربّي في النشء قيم الانتماء والولاء التي تكرّس بدورها الإحساس بالهوية الوطنية لديهم. وفي المقابل فإن غلبة العنصر الوافد والأجنبي على هذه المهنة في المدارس والجامعات قد يترك آثاراً سلبية تضرّ بالعملية التعليمية، إذ أثبتت كثير من الدراسات أن المشكلات التي بدأت تنتشر في كثير من مدارس الدولة في الآونة الأخيرة ترجع بالأساس إلى عدم تواصل الطلبة مع المعلمين الوافدين والتفاعل معهم، بالشكل الذي ينعكس سلباً على مستوى تحصيلهم الدراسي.
إن توطين مهنة التدريس أصبح ضرورة وطنية، وهذا يتطلّب دراسة الأسباب التي تجعل البيئة التعليمية طاردة للمعلم المواطن، ومن ثم العمل على معالجتها بالشكل الذي يعيد إلى هذه المهنة جاذبيتها وأهميّتها باعتبارها من أسمى المهن التي تسهم بدور كبير في الارتقاء بالمجتمع وتطويره وتعزيز هويته الوطنية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية