كما كان متوقعاً أعلنت جماعة "الإخوان المسلمون" المحظورة قانوناً في مصر مشاركتها في الانتخابات التشريعية المقبلة وأنها ستنافس على ثلث مقاعد البرلمان. وقد ظن كثيرون أن الجماعة يمكن أن تقاطع الانتخابات استجابة لمطلب قوى وطنية عديدة خارج التشكيلات الحزبية التي تتمتع بمشروعية قانونية من بينها "الجمعية الوطنية للتغيير" التي يدخل "الإخوان" معها في علاقة "تعاون". ولكن هذه الظنون التي سادت لم تلبث أن بادت، كالعادة، حين انحاز "الإخوان" مجدداً إلى مجاراة الأوضاع السائدة، وتفضيل مصلحة "الفصيل" على مصالح "الوطن" واللعب المتواصل على كل الحبال. ومن حيث المنشأ فـ"الإخوان" لديهم قرار استراتيجي بالمشاركة في الانتخابات كافة، بدءاً من الاتحادات الطلابية وانتهاء بالبرلمان. ولكنهم هذه المرة قد تلكأوا في حسم موقفهم نظراً لعدة اعتبارات: أولها، خداع الأجهزة الأمنية، التي تتربص بـ"الإخوان" وتراقبهم باستمرار، حتى تعتقل أي عناصر تحسم الجماعة ترشيحها في الانتخابات، وقد حدث هذا طيلة الانتخابات السابقة، إلى درجة أن الجماعة تجد نفسها مضطرة كل مرة إلى وضع مرشحين احتياطيين في كل الدوائر التي تعتزم المنافسة فيها. وثانيها، أن "الإخوان" وبعد اقترابهم من "الجمعية الوطنية للتغيير" ومشاركتهم في جمع توقيعات على مطالب الإصلاح السياسي السبعة التي أطلقها البرادعي أخذوا في الاعتبار عدم المسارعة بإعلان المشاركة في الانتخابات حتى لا يغضبوا حلفاءهم في الجمعية التي قررت مقاطعة الانتخابات ودعت أحزاب المعارضة إلى ذلك. أما السبب الثالث فإن "الإخوان" ظلوا "متعشمين"، حتى اللحظة الأخيرة، في أن تمد السلطة يدها للجماعة لإبرام "تفاهم" أو "صفقة" على غرار ما جرى في انتخابات 2005. وتهدف الجماعة من وراء المشاركة إلى تحقيق أهداف عدة منها: 1- تعزيز الرسوخ السياسي والاجتماعي لـ"الإخوان"، باعتبار أن الانتخابات فرصة سانحة للتواصل مع الجماهير، وعرض تصورات الجماعة وبرامجها عليهم. 2- مزيد من إثبات انحياز الجماعة إلى النضال المدني السلمي طريقاً للتغيير، وإظهار أن "الإخوان" قد طلقوا العنف المادي والعمل السري إلى غير رجعة. 3- تعطي الانتخابات لـ"الإخوان" فرصة جديدة لإثبات الضغط السياسي الذي يمارس ضدهم، نظراً للإجراءات القسرية التي تتخذها السلطة بحق الجماعة قبل الانتخابات وأثناءها، وربما بعيدها، ومثل هذا الوضع يساهم في تسويق "الإخوان" دوليّاً. ولا يمكن النظر إلى قرار "الإخوان" بالمشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة في مصر بعيداً عن حديث "الصفقات" التي أبرمها الحزب الحاكم مع بعض أحزاب المعارضة، لاسيما أن "الإخوان" كانوا يتدارسون مع السلطة قبل شهور صفقة تضمن الجماعة من خلالها تأمين نحو عشرين مقعداً برلمانيّاً، وكذلك الاتفاق على ألا تطول مدد اعتقال أعضاء "الإخوان"، وتخفيف الملاحقات الأمنية لهم. أما المقابل فهو على النحو التالي: 1- يبتعد "الإخوان" عن البرادعي ومشروع "الجمعية الوطنية للتغيير" ابتعاداً تامّاً، ولا يناصرونه ماديّاً أو معنويّاً. 2- ألا يعتبر "الإخوان" أنفسهم طرفاً في الانتخابات الرئاسية المقبلة، بحيث لا يزكون أحداً، أو يقفون وراءه، في العلن أو في السر. 3- أن يقوم "الإخوان" بتهدئة نشاطهم السياسي في المرحلة المقبلة، بحيث لا يشاركون في أية أعمال احتجاجية تنظمها قوى المعارضة، لاسيما "الجمعية الوطنية للتغيير" والجمعيات والهيئات المرتبطة بها. في كل الأحوال فإن "الإخوان" يريدون أن يحافظوا على شعرة معاوية بينهم وبين النظام، ولن يكلوا أو يملوا من خطب وده، وطرق أبوابه، ومحاولة الحوار معه. ولذا لا ينقطع رجاء "الإخوان" لعقد صفقة انتخابية مع السلطة، على رغم أن الأخيرة نقضت اتفاقاً مع الأولى قبيل انتخابات مجلس الشورى التي جرت قبل أربعة أشهر تقريباً، بعد أن رفعت أجهزة سيادية رفيعة المستوى تقريراً إلى مبارك يحمل أسباباً وجيهة لعدم احتياج السلطة لإبرام اتفاق مع "الإخوان" في الوقت الحالي، أهمها أن الاتفاق تم وقت أن كانت أجهزة الأمن ترى في مشروع البرادعي خطراً داهماً على النظام، وأنه من الضروري جذب "الإخوان" بعيداً عنه، لأنهم إن تحالفوا معه أو التحموا به، فإن خطره على السلطة سيتضاعف. ونقض السلطة لتعهداتها تلك دفع الجماعة إلى الذهاب بعيداً في التعاون مع البرادعي لتحقيق هدفين في الوقت نفسه، الأول هو تأكد جماعة "الإخوان" من أن النظام لا عهد له وبالتالي فمن العبث الاطمئنان إليه والترتيب معه، وأن الأفضل للجماعة أن تؤيد البديل الواضح والمستقل حتى الآن وهو "الجمعية الوطنية للتغيير". أما الثاني فهو تعشم "الإخوان" في أن يشكل انضمامهم إلى البرادعي ضغطاً على النظام الحاكم فيجد نفسه مضطراً من جديد إلى عدم نقض الشق الثاني من الصفقة المتعلق بانتخابات مجلس الشعب المقبلة. ولكن هذا لن يتحقق إلا إذا قوي مشروع البرادعي مجددًا، وبات يشكل، سواء بـ"الإخوان" أو بقواه الذاتية، تهديداً للسلطة التي لا تريد إلا استمراراً في مواقعها ومنافعها. وظني أن البرادعي ربما لا يعرف شيئاً عن الأسباب التي دفعت "الإخوان" إلى احتضانه بعد طول تردد، لكن الرجل، الذي يؤمن في كل الأحوال بدولة مدنية لا تقصي "الإخوان"، قد يصبح مجرد "ورقة تفاوضية" تلوح بها الجماعة في وجه النظام، فإن ناداها انفضت من حول البرادعي، وذهبت إليه مسرعة، غير عاجزة وقتها عن الدفع بتبريرات عديدة جاهزة لموقفها، وقد تتم ترجمة جزء مما يترتب على هذه الصفقة الجديدة في العلن فنرى قدحاً إخوانيّاً في البرادعي، وقد يتدبر الأمر برمته سرّاً إلى حين. لكن أعتقد أن نتائج الانتخابات المقبلة ستكشف العديد من الأسرار الدفينة، لاسيما في ظل اعتراض قطاعات من "الإخوان" على مسألة المشاركة في الانتخابات البرلمانية، التي تبدو نتائجها محددة سلفاً.