الجن من منظور ديني
الله سبحانه وتعالى ترك الشيطان وأنذره ليختبر قوة عباده في الإيمان، ولو أن المسألة ليس فيها شيطان، ما كان هناك ابتلاء ولا اختبار
خليل علي حيدر
كاتب ومفكر - الكويت
في كتابه المنشور قبل عامين، نشر الإعلامي محمود فوزي حواراً أجراه قبل أعوام مع الشيخ محمد متولي الشعراوي عن العلاج بالقرآن وتأثير الجن على البشر:
"- البعض يقول إن الجن يصيب الإنسان بأمراض عضوية!
- هذا كلام كذب فالجن يخيل فقط. في سحر يخيِّل..قال تعالى: (يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى). سحروا أعين الناس.
- وما حقيقة زواج الجن بالإنس؟!
- لا أعرف، فلم تمر بي هذه المسألة، هذا جنس خاص وله خلقته الخاصة، وأنا جنس لي خلقتي الخاصة، فلا يمكن الزواج إلا بأن أتشكَّل جنياً أو يتشكل الجن إنسياً.
- هناك من يقول: إن الجن له علاقة بالعقم، وبعدم الإنجاب، وبعدم الوفاق الزوجي.. فما رأيك؟
- نعم، له في عدم الوفاق الزوجي". (حواراتي مع الشيخ الشعراوي، القاهرة 2008، ص 225). وفي مقابلة ثانية قال بجواز سيطرة الجن على كثير من البشر: "لأن السحر حقيقة، وتسخير الجن أمر واقع، فقد يتشكل الجن مثلاً في صورة شبح امرأة دميمة لامرأة جميلة، فيراها الرجل كالقرد أمامه مثلاً والعكس صحيح".
والحل هو "قراءة سورة الإخلاص والمعوذتين لكي يأمن كيد الشيطان". (ص 268-269).
وفي يوم 1993/12/17، تحدثت صحيفة "القبس" الكويتية عن "تجربة مثيرة" عاشتها على الطبيعة، ونشرت تقريراً مصوراً من القاهرة بقلم الأستاذ أسامة الكرم بعنوان "الشيخ الشعراوي يطرد جناً من جسد شاب مصري"، فقد أصيب الشاب أحمد بمس من الجني "فينوس"، ورفض أن يخرج من جسد أحمد. "إلا أنه وعد أحد المعالجين بالقرآن أن يخرج من جسد الشاب إذا دعاه فضيلة الشيخ الشعراوي لذلك". ولما اعترف الجني بأنه مسلم وبَّخه الشيخ الشعراوي لإيذائه الشاب أحمد قائلاً: "كيف تقبل وأنت مسلم، على الشر؟ ألا تقرّ معي أنك مسلم ولكنك عاص. هل أنت مصرٌ على المعصية"؟ وشرح الجني "فينوس" للشيخ الشعراوي ومن حضر الجلسة بمن فيهم الكاتب "أسامة الكرم" ظروف دخوله في جسد الشاب. وكان أحد المعالجين بالقرآن قد قام في الجلسة بتلاوة آيات قرآنية، تضخم بعدها صوت الشاب أحمد قائلاً: "أنا فينوس".
ومضى "فينوس" يتحدث عن أسباب تسلطه على الشاب فقال: "هذا العبد -يقصد الشاب أحمد- كان قارئاً للقرآن بعد أن ينتهي من المذاكرة كل يوم قبل الفجر. ثم يصلي الفجر وينام على بركة الله. وكنتُ أتجول في البلكونات وأطوف، فإذا بصوت يصعد في الظلام. فقلت والله لا أعرفُ صوت من هذا الذي يقرأ القرآن والناس نيام. فذهبت إليه وأعجبتُ به إعجاباً لم أعجب به بعبد من قبل. وظللت هكذا اجتمع عنده كل يوم ليقرأ القرآن واستمع إليه. وفي يوم بات غضبان -أي نام غاضباً- لأنه لم يستطع المذاكرة وبالتالي لم يقرأ قرآن الفجر، فاغتاظ قلبي، ودخلت إليه حتى لا يفعل ما فعل".
وطلب الشيخ الشعراوي من الجني "فينوس" الخروج فوراً من جسد الشاب، بعد أن عانى من الأذى ما عانى، وأمره مهدداً: "اخرج إن شئت طائعاً مختاراً قبل أن تخرج مكرهاً، والذي نفسي بيده لن أبرح مكاني هذا حتى تخرج منه، وإن لم تخرج فسوف ينكل الله بك. هل يكون إعجابك به لأنه ورع يقرأ القرآن أن تفسد عليه حياته هكذا؟ أي إعجاب هذا؟ اخرج خير لك، وإلا فضح الله تلبيسك أمام الناس أجمعين".
في ختام اللقاء، وبعد خروج الجني من جسده، نصح الشعراوي الشاب ألا يستسلم للجن وأن يكون شجاعاً قوياً وأن يجتهد في دروسه، ويستمر في تلاوة القرآن. وانطلق أحمد مبتهجاً وكأنه ألقى جبلاً ثقيلاً من على كاهله".
ونفى الشيخ متولي الشعراوي تصفيد الشياطين في رمضان. وقال في مقابلة مع صحيفة كويتية عام 1996، مجيباً عن سؤال وُجه إليه يقول: "يأتي رمضان فيقول الناس إنه الشهر الذي تقيد فيه الشياطين ويُحبس الجن. فما صحة هذا الكلام؟ وهل معنى ذلك أن المعاصي لا تقع في رمضان"؟
أجاب الشيخ: "هذه المسألة الواقع يرفضها. بمعنى أنه لو أن الله يحبس الشياطين في رمضان فمعنى ذلك ألا تقع معصية في رمضان. والمعاصي قسمان: قسم ينشأ من النفس وقسم ينشأ من وسوسة الشيطان. والقول إن الشياطين "تُصفد" في رمضان معناه أن ما يرتكب من المعاصي ليس من عمل الشيطان، وإنما هو من عمل النفس. فالله سبحانه وتعالى ترك الشيطان وأنذره ليختبر قوة عباده في الإيمان، ولو أن المسألة ليس فيها شيطان، ما كان هناك ابتلاء ولا اختبار.. وهذه هي فلسفة صفدُ اللهِ للشياطين".
وقد جاء في بعض المراجع الدينية أنه قد اختلف في أصل الجن، فقيل إن أصلهم من ولد إبليس ومن عداهم ليسوا من ولده. وقد وردت نصوص استخدم فيها الجن بمعنى الشيطان، وقيل إنها لمسمى واحد، وإنما صارا صنفين، باعتبار الكفر والإيمان، فلا يقال لمن آمن من الجن إنه شيطان، وأما المادة التي خلقوا منها فهي النار، أما طعامهم فالعظام وروث البهائم. والجن يتناكحون ويتناسلون ويأكلون ويشربون ولهم أسماء متعددة، كما أن منهم الجني والشيطان والمارد والعفريت. وقد يتزاوج الإنس والجن ويولد بينهما ولد، وهذا -كما يقول ابن تيمية- "كثير معروف". ويضيف، إن الجن يوجدون كثيراً في الخرائب والفلوات، ويوجدون في مواضع النجاسات كالحمامات والمزابل والمقابر، وقد جاءت الآثار بالنهي عن الصلاة في هذه الأماكن لأنها مأوى الشياطين. وفي الآثار الدينية أن الجن ثلاثة أصناف، فصنف لهم أجنحة يطيرون بها في الهواء، وصنف حيّات وكلاب، وصنف يحلون وينزلون بالمكان ويرحلون عنه. ولهذا نهت الأحاديث عن قتل حيات البيوت قبل استئذانها ثلاثاً ثم تقتل. وقتل الجن بغير حق لا يجوز كما لا يجوز قتل الإنس بلا حق. كما أن الجن يتصورون في صور الإنس والبهائم، كالحيات والعقارب، وفي صور الإبل والبقر والغنم، والخيل والبغال والحمير والطير، وروي أنه تصور في صورة شيخ نجدي.
وعن كيفية إخراج الجن يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالة "إيضاح الدلالة في عموم الرسالة والتعريف بأحوال الجن"، القاهرة 1986، "قد يُحتاج في إبراء المصروع ودفع الجن عنه إلى الضرب، فيُضرب ضرباً كثيراً جداً، والضرب إنما يقع على الجني ولا يحس به المصروع، حتى يفيق المصروع ويخبر أنه لم يحس بشيء من ذلك ولا يؤثر في بدنه، ويكون قد ضرب بعصا قوية على رجليه نحو ثلاثمائة أو أربعمائة ضربة وأكثر وأقل، بحيث لو كان على الإنسي لقتلهُ، وإنما هو على الجني، والجني يصيح ويصرخ، ويحدِّث الحاضرين بأمور متعددة، كما قد فعلنا نحن هذا وجربناه مرات كثيرة يطول وصفها بحضرة خلق كثيرين".
وتعتبر كتب التراث الغول كذلك جنساً من الشياطين والجن، وكانت العرب تزعم أن الغول في الفلاة تتراءى للناس فتتغوّل تغولاً، أي تتلون تلوناً في صور شتى، وتغُولُهم -أي تضلهم- عن الطريق وتهلكهم. وقد أبطل وجوده حديث "لا غول"، وقيل: لا غول ليس نفياً لوجود الغول بل هو نفي لتلونه بصور شتى.