بركان آيسلندا...هل ينفجر مجدداً؟
بينما كان جميع الركاب يعانون من إلغاء رحلاتهم الجوية المتجهة إلى مختلف أنحاء العالم من أوروبا، بسبب انفجار بركان "إيجالفجالجوكل" في آيسلندا، الذي أثار سحباً كثيفة وخطيرة من الرماد البركاني في سماء معظم الدول الأوروبية، كان العلماء والباحثون يواصلون عملهم من أجل تحديد المدى الزمني الذي يستغرقه ذلك الانفجار البركاني قبل أن تنطفئ نيرانه. ومن رأي الباحثين أنه وبينما تمكنت خطوط الطيران الأوروبية من التكيف على حلقات النيران البركانية التي تنشأ أحياناً من الانفجارات البركانية في منطقة المحيط الباسيفكي، فقد كان انفجار بركان آيسلندا، المرة الأولى التي تواجه فيها خطوط الطيران نفسها –المعروفة بتمركز أكبر مطارات القارة التي تستغلها- صعوبة التكيف مع سحب الرماد البركاني الكثيفة التي تحملها الرياح وتدفعها بقوة كبيرة جداً. ففي يوم الجمعة قبل الماضي، اضطرت خطوط الطيران التجاري لإلغاء نحو 1600 رحلة، أي ضعف عدد الرحلات التي ألغيت يوم الخميس السابق له.
بركان "إيجالفجالجوكل"، الذي عطل حركة الملاحة الجوية في الأسبوع المشار إليه، ثار ثورته الثانية خلال الألف والمائة عام الماضية. وكان آخر نشاط سجل لهذا البركان قد حدث بين عامي 1821-1823. وبينما يبدو الغطاء الجليدي الذي يغطي الجبال بذوبانه وانحداره من أعلى الجبال –وكأنه يحيي المارة به- أرجح إلى تسبيب تدفقات كبيرة لحمم "اللافا" البركانية، أكثر من أن يدفع بتلك الكميات الكبيرة من الرماد البركاني إلى طبقات الجو العليا، فإن من رأي الباحثين والعلماء أن هذه الصورة ربما تبدو مضللة. وهذا ما حذر منه بنجامين إدوارد، الباحث المتخصص في جيولوجيا البراكين والأستاذ بكلية ديكنسون. ومن رأيه أيضاً أن في وسع أكثر البراكين خمولاً أن تفاجئ من حولها يوماً فتثور ثورات لم يحسب لها أحد حساباً. وأوضح الباحث أن البراكين المعروفة بتواتر نشاطها البركاني الانفجاري، تتسم بغنى هائل بموارد الأوكسجين والسلكيت. وعادة ما يميل هذا النوع من البراكين إلى تشكيل قمم جبلية مخروطية الشكل، مثل قمة جبل فوجي الياباني، وكذلك قمة جبل هلينز، قبل انفجاره أخيراً في عام 1980. ونتيجة لانفجاره فقد زالت قمته البالغ ارتفاعها 1300 قدم. وهناك جبال بركانية أخرى، تعرف بانحدارها الانسيابي، جبل "ماونا لوا" في جزر هاواي. وتتسم انفجارات هذا النوع من الجبال بإسالتها لنوع من الحمم السميكة غير المحملة بكميات كبيرة من الغازات، لكنها تطلق نوافير نارية تتطاير وتنشطر على جانبي الجبل، أو تتدفق من فوهة البركان مباشرة. ومن شأن هذه "البراكين الدرعية" كما تعرف باسمها العلمي أن تؤثر على تغيير الحمم المتصلبة نتيجة لكثافة تراكم هذه المادة البركانية بعد كل ثورة تحدث للبركان، ما يعني غنى الحمم بكميات كبيرة من السلكيت والأوكسجين.
غير أن أكثر ما يثير قلق الباحثين والعلماء هو وجود الجليد في منطقة الانفجار البركاني. ذلك أن من شأن اتصال الماء الذائب من الطبقات الجليدية بالماجما(الحمم) أن يتسبب في نشوء انفجار بركاني جديد آخر، على حد قول الباحث إدواردز. أما زميله إدوارد فنزيك – من شبكة البراكين الدولية في واشنطن- فمن رأيه أن ذلك ما كان قد حدث بالفعل في حالة انفجار بركان "إيجالفجالجوكل" الآيسلندي. يذكر أن الشبكة البركانية التي يعمل فيها الباحث "إدواردز" تعمل بالتضامن مع وكالة الأبحاث البركانية الأميركية، ومؤسسة "متحف سميثونيا" للتاريخ الطبيعي.
فحين بدأ انفجار البركان في الشهر الماضي، كان انفجاره صغيراً ومحدوداً لدرجة أنه لم يتعد جانبي الجبل فحسب. ولكن الذي حدث هو أن "الماجما" أطلقت عدداً من النوافير النيرانية حينها، ما يعنى احتواءها على كميات كبيرة من الغازات. ومع ذلك بقي ذلك الانفجار أقرب إلى الانفجارات الطبيعية النمطية التي عرفت بها مرتفعات هاواي، أكثر من كونها أقرب إلى قمة جبل "سانت هيلينز"، وحين توقف الانفجار، فقد كان من الأرجح أن الحمم عملت على سد التصدعات والشقوق التي أحدثها الانفجار. وبذلك فقد تزايدت الضغوط الغازية تحت قمة الجبل المغطاة بالطبقات الجليدية. وبسبب ارتفاع طبقات "الجاما"، فقد تزايد ذوبان الجليد، ليتوفر بذلك الماء اللازم لتسبيب انفجار بركاني جديد. وإن كان ذلك هو تفسير ما حدث، فإن ذلك ما يدفع الباحث "فنزيك"، ومن المحتمل أن تتقلص احتمالات عودة بركان "إيجالفجالجوكل" للانفجار مجدداً نتيجة لانخفاض كميات المياه الضرورية لإشعال انفجاره. لكن وفيما لو كان السبب الرئيسي وراء الانفجار البركاني يعود إلى الخصائص التركيبية لمادة "الماجما" نفسها، فليس مستبعداً أن تستمر انفجارات البركان وتتكرر لعدة مرات.
وعلى رغم الضرر الكبير الذي ألحقه الرماد البركاني الناشئ من الانفجار، بخطوط الطيران التجاري خلال الأسبوعين الماضيين، فإن من حسن الحظ أن هذا الرماد نفسه، سوف يساعد العلماء كثيراً في توفير المعلومات البركانية اللازمة لأبحاثهم، خاصة فيما يتصل بتحديد الأسباب الفعلية التي كان لها دور حاسم في إشعال الانفجار البركاني. ولن تقتصر هذه المعلومات التي يبحث عنها العلماء على التركيب الكيميائي لذرات الرماد البركاني فحسب، إنما تعتمد كذلك على شكلها.
ومما يثير مخاوف العلماء، التكهن بالمستقبل الذي يمكن أن يكون عليه جبل "كالتا" البركاني المجاور لجبل "إيجالفجالجوكل" الآيسلندي على بعد حوالي 16 ميلاً منه. وكان قد لاحظ إريك ستوكيل -قائد فريق أبحاث علمية بركانية بجامعة جوتنبرج- خلال ورقة علمية نشرها الفريق مؤخراً بدورية العلوم الجيولوجية البركانية، أن هذين الجبلين البركانيين المتجاورين كانا قد انفجرا معاً في عام 1612، ثم ثانية في عام 1821، وكذلك في عام 1823. كما تشير المعلومات المسجلة عن جبل "كالتا"، أن في وسعه إرسال مواد بركانية أبعد مدى مما يفعل جبل"إيجالفجالجوكل".
-------
بيت سبوتس
كاتب أميركي متخصص في الشؤون العلمية
-------
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"